روى أنس بن مالك عن النبي صلىاللهعليهوسلم عن جبريل عليهالسلام عن الله عزوجل في حديث طويل وفيه يقول الله عزوجل : «ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه» (١) ، و«أن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك ، وذلك أني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير» (٢). وقرأ ما يشاء أنه نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية كالياء ولهم أيضا إبدالها واو أو الباقون بتحقيقهما وإذا وقف حمزة وهشام أبدلا الهمزة ألفا مع المد والقصر والروم والإشمام.
(وَهُوَ) أي : لا غيره (الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي : المطر الذي يغاث به الناس وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وتشديد الزاي والباقون بسكون النون وتخفيف الزاي (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) أي : يئسوا من نزوله وعلموا أنه لا يقدر على إنزاله غيره ولا يقصد فيه سواء ليكون ذلك أدعى لهم إلى الشكر وقال تعالى : (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) أي : يبسط مطره كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [الأعراف : ٥٧] وإن كان الأصل بنشره لأنه بين أنه غيث فقال رحمته بيانا وتعميما ، فينزل من السحاب المحمول بالريح من الماء ما لو اجتمع عليه الخلائق ما أطاقوا عمله ، فتصبح الأرض ما بين غدران وأنهار ونبات نجم وأشجار وزهر وحب وثمار وغير ذلك من المنافع الصغار والكبار فلله ما أعلى هذه القدرة الباهرة والآية الظاهرة ، فيخرج من الأرض التي هي من صلابتها تعجز عنها المعاول نجما هو في لينه ألين من الحرير وفي لطافته ألطف من النسيم ومن سوق الأشجار التي تنثني فيها المناقير أغصانا ألطف من ألسنة العصافير ، فما أجلف من ينكر إخراجه الموتى من القبور أو يحيد عن ذلك بنوع من الغرور (وَهُوَ) أي : لا غيره (الْوَلِيُ) الذي لا أحد أقرب منه إلى عباده في شيء من الأشياء (الْحَمِيدُ) الذي يستحق مجامع الحمد مع أنه يحمد من يطيعه فيزيده من فضله ويصل حبله دائما بحبله.
(وَمِنْ آياتِهِ) أي : العظيمة على استحقاقه لجميع صفات الكمال (خَلْقُ السَّماواتِ) التي تعلمون أنها متعددة لما ترون من أمور الكواكب (وَالْأَرْضِ) أي : جنسها على ما هما عليه من الهيآت وما اشتملا عليه من المنافع والخيرات وقوله تعالى : (وَما بَثَ) أي : فرق ونشر يجوز أن يكون مجرور المحل عطفا على السموات أو مرفوعه عطفا على خلق على حذف مضاف ، أي : وخلق ما بث ، قال أبو حيان : وفيه نظر لأنه يؤول إلى جره بالإضافة لخلق المقدر فلا يعدل عنه (فِيهِما) أي : في السموات والأرض (مِنْ دابَّةٍ) أي : شيء فيه أهلية الدبيب بالحياة والحركة من الأنس والجن والملائكة وسائر الحيوانات على اختلاف ألوانهم وأصنافهم وأشكالهم ولغاتهم وطباعهم وأجناسهم وأنواعهم وأقطارهم ونواحيهم ، فإن قيل : كيف يجوز إطلاق الدابة على الملائكة؟ أجيب : بوجوه أولها : ما مر من أن الدابة عبارة عما فيه الروح والحركة والملائكة لهم
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٥٠٢ ، وأحمد في المسند ٦ / ٢٥٦.
(٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في الأولياء ١ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ٢ / ٢٤٨.