ولا شك أن الشهادة له صلىاللهعليهوسلم نفسه بالرسالة ركن الإيمان ولم يكن له علم بذلك وكذلك الملائكة ، فصح نفي المنفي لفواته بفوات جزئه وقال محمد ابن إسحاق بن خزيمة : الإيمان هنا الصلاة لقوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] أي : صلاتكم ، وقيل : هذا على حذف ومعناه : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان حين كنت طفلا في المهد ، وقيل : الإيمان عبارة عن الإقرار بجميع ما كلف الله تعالى به ، وقال بعضهم : صفات الله تعالى على قسمين : منها ما يمكن معرفته بمحض دلائل العقول ومنها : ما لا يمكن معرفته إلا بالدلائل السمعية فهذا القسم الثاني لم تكن معرفته حاصلة قبل النبوة.
تنبيه : ما ؛ الأولى نافية والثانية استفهامية والجملة الاستفهامية معلقة للدراية فهي في محل نصب لسدها مسد مفعولين والجملة المنفية بأسرها في محل نصب على الحال من الكاف في إليك ، وفي الآية دليل على أنه صلىاللهعليهوسلم لم يكن متعبدا قبل النبوة بشرع وفي المسألة خلاف للعلماء فقيل : كان يتعبد على دين إبراهيم عليهالسلام وقيل : غيره والضمير في قوله تعالى (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) يعود إما لروحا وإما للكتاب وإما لهما وهو أولى لأنهما مقصود واحد فهو كقوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني الإيمان وقال السدي : يعني القرآن (نَهْدِي) على عظمتنا (بِهِ مَنْ نَشاءُ) خاصة لا يقدر أحد على هدايته بغير مشيئتنا (مِنْ عِبادِنا) بخلق الهداية في قلبه بالتوفيق فهذه لا يقدر عليها أحد غير الله تعالى ، وأما الهداية بالتبيين والإرشاد فهي قوله تعالى : (وَإِنَّكَ) يا أفضل الخلق (لَتَهْدِي) أي : تبين وترشد وأكده لإنكارهم ذلك (إِلى صِراطٍ) أي : طريق واضح جدا (مُسْتَقِيمٍ) أي : شديد التقوم وهو دين الإسلام.
وقوله تعالى : (صِراطِ اللهِ) أي : الملك الأعظم الجامع لصفات الكمال وقرأ سراط في الموضعين قنبل بالسين وخلف : بالإشمام أي : بين الصاد والزاي والباقون بالصاد الخالصة. ثم وصف سبحانه وتعالى نفسه بأنه مالك لما في السموات والأرض بقوله تعالى : (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا وعبيدا (أَلا إِلَى اللهِ) أي : المحيط بجميع صفات الكمال الذي تعالى عن مثل وند وهو الكبير المتعال لا إلى غيره (تَصِيرُ) أي : على الدوام وإن كانت في الظاهر في ملك غيره بحيث يظن الجاهل أن ملكها مستقر له.
قال أبو حيان : أخبر بالمضارع والمراد به الديمومة كقوله : زيد يعطي ويمنع أي : من شاء ذلك ولا يراد به حينئذ حقيقة المستقبل (الْأُمُورُ) كلها من الخلق والأمر معنى وحسا كما كانت الأمور كلها مبتدأة منه وحده وفي ذلك وعد للمطيعين ووعيد للمجرمين فيجازي كلا منهم بما يستحقه من ثواب أو عقاب ، وما قاله البيضاوي تبعا للزمخشري من أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة حم عسق كان ممن تصلي عليه الملائكة ويستغفرون ويسترحمون له» (١) حديث موضوع.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٢٣٩.