وثناياك إنها إغريض أي : طلع وبرد ، وقيل : كل أبيض طري ولآل توم وبرق وميض والتوم جمع تومة وهي حبة تعمل من الفضة كالدرة ، والوميض مصدر ومض أي : لمع لمعا خفيفا.
تنبيه : احتج القائلون بحدوث القرآن بهذه الآية من وجوه ؛ الأول : أنها تدل على أن القرآن مجعول والمجعول هو المصنوع المخلوق ، الثاني : أنه وصفه بكونه قرآنا وهو إنما سمي قرآنا لأنه جعل بعضه مقرونا بالبعض وما كان كذلك كان مصنوعا ، الثالث : وصفه بكونه عربيا وإنما يكون عربيا لأن العرب اختصت بوضع ألفاظه في اصطلاحهم وذلك يدل على أنه مجعول والتقدير حم ورب الكتاب المبين ، ويؤيد هذا قوله صلىاللهعليهوسلم : «يا رب طه ويس ويا رب القرآن العظيم» (١). وأجاب الرازي عن ذلك : بأن هذا الذي ذكرتموه حق لأنكم استدللتم بهذه الوجوه على كون الحروف المتواليات والكلمات المتعاقبة محدثة وذلك معلوم بالضرورة ومن الذي ينازعكم فيه (لَعَلَّكُمْ) أي : يا أهل مكة (تَعْقِلُونَ) أي : لتكونوا على رجاء عند من يصح منه الرجاء من أن تفهموا معانيه وأحكامه وبديع وصفه ومعجز وضعه ونظامه فترجعوا عن كل ما أنتم عليه من المغالبة ولا بد أن يقع هذا التعقل فإن القادر إذا عبر بأداة الترجي حقق ما يقع ترجيه ليكون بين كلامه وكلام العاجز فرق.
وقوله تعالى : (وَإِنَّهُ) أي : القرآن عطف على إنا أي : مثبت (فِي أُمِّ الْكِتابِ) أي : أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ ، وقال قتادة : أم الكتاب أصل الكتاب وأم كل شيء أصله ، وقال ابن عباس : أول ما خلق الله تعالى القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق فالكتاب مثبت عنده في اللوح المحفوظ كما قال تعالى : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج : ٢٢] ، فإن قيل : ما الحكمة في خلق هذا اللوح المحفوظ مع أنه تعالى علام الغيوب يستحيل عليه السهو والنسيان؟.
أجيب : بأنه تعالى لما أثبت في ذلك أحكام حوادث المخلوقات ثم إن الملائكة إذا شاهدوا أن جميع الحوادث إنما تحدث على موافقة ذلك المكتوب استدلوا بذلك على كمال حكمته وعلمه ، وقيل : المراد بأم الكتاب الآيات المحكمة لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) [آل عمران : ٧] والمعنى : أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمة التي هي الأصل والأم ، وقرأ حمزة والكسائي في الوصل بكسر الهمزة والباقون بضمها واتفقوا في الابتداء بالهمزة على الضم وقوله تعالى : (لَدَيْنا) أي : عندنا بدل من الجار قبله (لَعَلِيٌ) أي : رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزا من بينها (حَكِيمٌ) أي : ذو حكمة بالغة أو محكم في أبواب البلاغة والفصاحة.
(أَفَنَضْرِبُ) أي : أنهملكم فنضرب أي : ننحي مجاوزين (عَنْكُمُ الذِّكْرَ) أي : القرآن وفي نصب قوله تعالى : (صَفْحاً) أوجه ؛ أحدها : أنه مصدر من معنى نضرب لأنه يقال ضرب عن كذا وأضرب عنه بمعنى أعرض عنه وصرف وجهه عنه قال طرفة (٢) :
اضرب عنك الهموم طارقها |
|
ضربك بالسيف قونس الفرس |
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) البيت من المنسرح ، وهو لطرفة بن العبد في ملحق ديوانه ص ١٥٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٠ ، والدرر ٥ / ١٧٤ ، ولسان العرب (قنس) ، (نون) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٧ ، ونوادر أبي زيد ص ١٣ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٥٦٥ ، وجمهرة اللغة ص ٨٥٢.