إذ نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم ، وقيل : ذكر لك بما أعطاك من الحكمة ولقومك من المؤمنين بما هداهم الله تعالى به (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) أي : عن القرآن يوم القيامة وعن قيامكم بحقه وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له ، وقال الكلبي : تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل ، وقال مقاتل : يقال لمن كذب به لم كذبت؟ فيسأل سؤال توبيخ وقيل : يسألون هل عملتم بما دل عليه القرآن من التكاليف.
وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما أسري بالنبي صلىاللهعليهوسلم إلى المسجد الأقصى إلى السموات العلى بعث له آدم وولده من المرسلين عليهمالسلام فأذن جبريل عليهالسلام ثم أقام وقال : يا محمد تقدم فصل بهم ، فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل عليهالسلام : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا) أي : على ما لنا من العظمة (مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) أي : غيره (آلِهَةً يُعْبَدُونَ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا أسأل قد اكتفيت ولست شاكا فيه. وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وأبي زيد : قالوا جمع له الرسل ليلة أسري به وأمر أن يسألهم فلم يسأل ولم يشك. وقال أكثر المفسرين : سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء عليهمالسلام هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد وهو قول مجاهد وقتادة والسدي ، ولم يسأل النبي صلىاللهعليهوسلم على واحد من القولين لأن المراد من الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول من الله تعالى ولا كتاب بعبادة غير الله تعالى.
ولما طعن كفار قريش في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وبكونه فقيرا معدما عديم الجاه والمال بين الله تعالى أن موسى عليهالسلام بعد أن أورد المعجزات القاهرة التي لا يشك في صحتها عاقل أورد عليه فرعون هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش فقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) أي : بما ظهر من عظمتنا (مُوسى) أي : الذي كان يرى فرعون أنه أحق الناس بعظمته لأنه رباه وكفله (بِآياتِنا) التي قهر بها عظماء الخلق وجبابرتهم فدل ذلك على صحة دعواه (إِلى فِرْعَوْنَ) الذي ادعى أنه الرب الأعلى (وَمَلَائِهِ) أي : القبط (فَقالَ) أي : بسبب إرسالنا (إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : مالكهم ومدبرهم ومربيهم فقالوا له : ائت بآية فأتى بها.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا) أي : بآيتي اليد والعصا اللتين شاهدوا فيهما عظمتنا ودلهم ذلك على قدرتنا على جميع الآيات (إِذا هُمْ) أي : بأجمعهم (مِنْها يَضْحَكُونَ) أي : فاجؤا المجيء بها من غير توقف ولا تأمل بالضحك سخرية واستهزاء ، قيل : إنه لما ألقى عصاه صارت ثعبانا فلما أخذه وصار عصا كما كانت ضحكوا.
ولما أعرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت ضحكوا :
(وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا