المهمات ، إذ كان من عادتهم أنهم إذا جعلوا واحدا منهم رئيسا لهم سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب فطلب فرعون من موسى عليهالسلام مثل عادتهم (أَوْ جاءَ مَعَهُ) أي : صحبته عندما جاء إلينا بهذا النبأ الجسيم والملم العظيم (الْمَلائِكَةُ) أي : هذا النوع وأشار إلى كثرتهم بما بين من الحال بقوله : (مُقْتَرِنِينَ) أي : يقارن بعضهم بعضا بحيث يملؤون الفضاء ويكونون في غاية القرب منه بحيث يكون مقارنا لهم ليجاب إلى هذا الأمر الذي جاء يطلبه كما نفعل نحن إذا أرسلنا رسولا إلى أمر يحتاج إلى دفاع وخصام ونزاع ، فكان حاصل أمره كما ترى أنه تعزز بإجراء المياه فأهلكه الله تعالى بها ، إيماء إلى أن من تعزز بشيء دون الله تعالى أهلكه الله به واستصغر موسى عليهالسلام وعابه بالفقر والعي فسلطه الله تعالى عليه إشارة إلى أنه ما استصغر أحد شيئا إلا غلبه ، أفاده القشيري.
(فَاسْتَخَفَ) أي : بسبب هذه الخدع التي سحرهم بها في هذا الكلام الذي هو في الحقيقة محقر له موهن لأمره قاصم لملكه عند من له لب (قَوْمَهُ) الذين لهم قوة عظيمة فحملهم بغروره على ما كانوا مهينين له من خفة الحلم (فَأَطاعُوهُ) أي : بأن أقروا بملكه واعترفوا بربوبيته وردوا أمر موسى عليهالسلام (إِنَّهُمْ كانُوا) أي : بما في جبلاتهم من الشر (قَوْماً فاسِقِينَ) أي : غريقين في الخروج عن طاعة الله تعالى إلى معصيته فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق.
(فَلَمَّا آسَفُونا) أي : أغضبونا في الإفراط في العناد والعصيان منقول من أسف إذا اشتد غضبه ، حكي أن ابن جريج غضب في شيء فقيل له : أتغضب يا أبا خالد فقال : قد غضب الذي خلق الأحلام إن الله تعالى يقول : (فَلَمَّا آسَفُونا) أي : أغضبونا (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) أي : أوقعنا بهم على وجه المكافأة بما فعلوا برسولنا عليهالسلام عقوبة عظيمة منكرة مكروهة كأنها بعلاج (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) أي : إهلاك نفس واحدة لم يلفت منهم أحد على كثرتهم وقوتهم وشدتهم.
تنبيه : ذكر لفظ الأسف في حق الله تعالى وذكر لفظ الانتقام كل واحد منهما من المتشابهات التي يجب تأويلها فمعنى الغضب في حق الله تعالى : إرادة العذاب ومعنى الانتقام : إرادة العقاب بجرم سابق وقال بعض المفسرين : معنى آسفونا : احزنوا أولياءنا.
(فَجَعَلْناهُمْ) أي : بأخذنا لهم على هذه الصورة من الإغراق وغيره مما تقدمه (سَلَفاً) أي : متقدما لكل من يهلك بعدهم إهلاك غضب في الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة أو قدوة لمن يريد العلو في الأرض فتكون عاقبته في الهلاك في الدارين أو إحداهما عاقبتهم كما قال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) [القصص : ٤١] (وَمَثَلاً) أي : حديثا عجيب الشأن سائرا سير المثل (لِلْآخِرِينَ) أي : الذين خلفوا بعدهم من زمنهم إلى آخر الدهر فيكون حالهم عظة لناس وإضلالا لآخرين فمن أريد به الخير وفق لمثل خير يرده عن غيه ، ومن أريد به الشر اقتدى به في الشر ، وقرأ حمزة والكسائي : بضم السين واللام والباقون بفتحهما ، فأما الأولى : فتحتمل ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه جمع سليف كرغيف ورغف وسمع القاسم بن معن من العرب : سليف من الناس كالفريق منهم ، والثاني : أنه جمع سالف كصابر وصبير ، والثالث : أنها جمع سلف كأسد وأسد ، وأما الثانية : فتحتمل وجهين ؛ أحدهما : أن يكون جمعا لسالف كحارس وحرس وخادم وخدم وهذا في الحقيقة اسم جمع لا جمع تكسير إذ ليس في أبنية التكسير صيغة فعل ، والثاني : أنه مصدر يطلق على الجماعة تقول سلف الرجل يسلف سلفا أي : تقدم والسلف كل شيء قدمته من