في الله تعالى ، منهم بلال ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه ودعا أيضا فقال : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) فأجاب الله تعالى دعاءه ، فلم يكن له ولد إلا آمن فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا وأدرك أبواه وابنه عبد الرحمن وابن ابنه أبو عتيق النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهم مؤمنون. ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة.
تنبيه : أصلح يتعدى بنفسه لقوله تعالى : (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) [الأنبياء : ٩٠] وإنما تعدى بفي لتضمنه معنى ألطف بي في ذرّيتي ، أو لأنه جعل الذرّية ظرفا للإصلاح والمعنى : هب لي الصلاح في ذرّيتي وأوقعه فيهم.
(إِنِّي تُبْتُ) أي : رجعت (إِلَيْكَ) عن كل ما يقدح في الإقبال عليك. وأكده إعلاما بأنّ حاله في الإقبال على الشهوات حال من يبعد منه الإقلاع : فينكر إخباره به وكذا قوله : (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : الذين أسلموا بظواهرهم وبواطنهم فانقادوا أتمّ انقياد. (أُولئِكَ) أي : العالون الرتبة ، القائلون هذا القول أبو بكر ، وغيره.
(الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ) بأسهل وجه (عَنْهُمْ) وأشار بصيغة التفعل إلى أنه يعمل في قبوله عمل المعتني ، والتقبل من الله هو إيجاب الثواب له على عمله وقوله تعالى : (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أي : أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا.
فإن قيل : كيف قال الله تعالى (أَحْسَنَ) والله تعالى يتقبل الأحسن وما دونه؟
أجيب بوجهين أحدهما : أنّ المراد بالأحسن الحسن ، كقوله تعالى : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الزمر : ٥٥] وكقوله : الناقص والأشج أعدلا بني مروان. أي : عادلا بني مروان.
ثانيهما : أنّ الحسن من الأعمال هو المباح الذي لا يتعلق به ثواب ولا عقاب. والأحسن ما يغاير ذلك ، وهو المندوب ، أو الواجب.
ولما كان الإنسان محل النقصان وإن كان محسنا ، نبه على ذلك بقوله تعالى : (وَنَتَجاوَزُ) أي بوعد لا خلف فيه (عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) أي : فلا يعاقبهم عليها. وقرأ حفص وحمزة والكسائي : بنون مفتوحة قبل الفوقية من يتقبل ونصب أحسن ونون مفتوحة قبل الفوقية من يتجاوز والباقون بياء مضمومة قبل الفوقية من يتقبل ، ويتجاوز ورفع أحسن وقوله تعالى : (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) في محل الحال أي : كائنين في جملة أصحاب الجنة. كقولك أكرمني الأمير في أصحابه أي : في جملتهم. وقيل : خبر مبتدأ مضمر أي : هم في أصحاب الجنة وقوله تعالى : (وَعْدَ الصِّدْقِ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة لأنّ قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ) في معنى الوعد. فيكون قوله تعالى : يتقبل ، ويتجاوز وعدا من الله تعالى لهم بالتقبل والتجاوز. والمعنى يعامل من صفته ما قدّمنا بهذا الجزاء. وذلك وعد من الله تعالى صدق ، لكونه مطابقا للواقع (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) أي : يقع لهم الوعد به في الدنيا ممن لا أصدق منهم ، وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام حين أخبروا بقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) [التوبة : ٧٢].
ولما وصف تعالى الولد البار بوالديه وصف الولد العاق لهما. بقوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) والمراد به الجنس. وقال ابن عباس والسدي : نزلت في عبد الله بن أبيّ.