وما هو إلا الماء والتمر» (١) «وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم الشعير» (٢) والأحاديث في هذا كثيرة.
ولما كانت الاستهانة بالأوامر والنواهي استهانة بيوم الجزاء سبب عنه قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ) أي : على إعراضكم عنا (عَذابَ الْهُونِ) أي : الهوان العظيم المجتمع الشديد الذي فيه ذلّ وخزي (بِما كُنْتُمْ) أي : جبلة وطبعا (تَسْتَكْبِرُونَ) أي : تطلبون الترفع وتوجدونه على الاستمرار (فِي الْأَرْضِ) التي هي لكونها ترابا وموضوعة على الزوال والخراب أحق شيء بالتواضع والذل والهوان (بِغَيْرِ الْحَقِ) أي : الأمر الذي يطابقه الواقع ، وهو أوامرنا ونواهينا (وَبِما كُنْتُمْ) أي : على الاستمرار (تَفْسُقُونَ) أي : بسبب الاستكبار الباطل ، والفسوق عن طاعة الله تعالى.
تنبيه : دلت الآية على أنّ الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لأنّ الله تعالى علل عذابهم بأمرين ؛ أولهما : الكفر. وثانيهما : الفسق وهذا الفسق لا بدّ وأن يكون مغايرا لذلك الكفر ، لأنّ العطف يوجب المغايرة فثبت أنّ فسق الكفار يوجب العقاب في حقهم ولا معنى للفسق إلا ترك المأمورات وفعل المنهيات.
ولما كان قوم عاد أكثر أموالا وقوة وجاها من أهل مكة ، ذكر تعالى قصتهم ليعتبروا ، فيتركوا الاغترار بما وجدوه في الدنيا. فقال عز من قائل :
(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨) وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩))
(وَاذْكُرْ) يا أشرف الرسل ، لهؤلاء الذين لا يتعظون (أَخا عادٍ) وهو أخوك هود عليهالسلام ، الذي كان بين قوم أشدّ من قومك ، ولم يخف عاقبتهم وأمرهم ونهاهم ونجيناه منهم فهو لك قدوة ، وفيه أسوة ، ولقومك في قصدهم إياك بالأذى من أمره موعظة. وقوله تعالى : (إِذْ أَنْذَرَ) بدل اشتمال من (أَخا قَوْمَهُ) أي : الذين لهم قوة على القيام فيما يحاولونه. (بِالْأَحْقافِ) قال
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٤٥٨ ، ومسلم في الزهد حديث ٢٩٧٢ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١٤٤.
(٢) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٢٣٦٠ ، وابن ماجه في الأطعمة حديث ٣٣٤٧.