ابن عباس : واديين عمان ومهرة ، وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضر موت بموضع يقال له : مهرة إليها تنسب الإبل المهرية. وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع ، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم. وكانوا من قبيلة إرم قال قتادة : ذكر لنا : أن عادا كانوا حيا من اليمن ، كانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر.
(وَقَدْ) أي : والحال أنّه قد (خَلَتِ النُّذُرُ) أي : مرّت ومضت الرسل الكثيرون (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) أي : قبل هود ، كنوح وشيث وآدم عليهمالسلام (وَمِنْ خَلْفِهِ) أي : بعده والمعنى ؛ أنّ الرسل الذين بعثوا قبله ، والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره ، والجملة حال ، أو اعتراض. ولما أشار إلى كثرة الرسل ، ذكر وحدتهم في أصل الدعاء ، فقال مفسرا للإنذار معبرا بالنهي (أَنْ لا تَعْبُدُوا) أي : أيها العباد المنذرون ، بوجه من الوجوه شيئا من الأشياء (إِلَّا اللهَ) أي : الملك الذي لا ملك غيره ، ولا خالق سواه ، ولا منعم إلا هو فإني أراكم تشركون به من لم يشركه في شيء من تدبيركم والملك لا يقرّ على مثل هذا (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) لكونكم قومي ، وأعز الناس عليّ (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي : لا يدع جهة إلا ملأها عذابه إن أصررتم على ما أنتم فيه من الشرك.
(قالُوا) له في جوابه منكرين عليه (أَجِئْتَنا) أي : يا هود ، (لِتَأْفِكَنا) أي : لتصرفنا عن وجه أمرنا إلى قفاه (عَنْ آلِهَتِنا) فلا نعبدها ، ولا نعتد بها (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب ؛ سموا الوعيد وعدا (إِنْ كُنْتَ) أي : يقال عنك كونا ثابتا (مِنَ الصَّادِقِينَ) في أنك رسول من الله ، وأنه يأتينا بما تخافه علينا من العذاب إن أصررنا.
(قالَ) أي : هود مكذبا لهم في نسبتهم إليه ادعاء شيء من ذلك : (إِنَّمَا الْعِلْمُ) أي : المحيط بكل شيء ، عذابكم وغيره. (عِنْدَ اللهِ) أي : المحيط بجميع صفات الكمال ، فهو ينزل علم ما توعدون به على من يشاء إن شاء. ولا علم لي إلى الآن ، ولا لكم بشيء من ذلك ولا قدرة ، (وَأُبَلِّغُكُمْ) أي : في الحال والاستقبال وقرأ أبو عمرو بسكون الباء الموحدة وتخفيف اللام والباقون : بفتح الموحدة وتشديد اللام. (ما أُرْسِلْتُ بِهِ) ممن لا مرسل في الحقيقة غيره ، سواء أكان وعدا أم وعيدا أم غير ذلك. ولم يذكر الغاية ؛ لأنّ ما أرسل به صالح لهم ولغيرهم (وَلكِنِّي أَراكُمْ) أي : أعلمكم علما كالرؤية. وقرأ نافع والبزي وأبو عمرو : بفتح الياء والباقون : بسكونها. وأمال الألف بعد الراء ورش بين بين وأمالها أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي محضة. والباقون بالفتح. (قَوْماً تَجْهَلُونَ) أي : باستعجال العذاب. فإنّ الرسل بعثوا مبلغين منذرين لا مقترحين.
(فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي : العذاب الذي توعدهم به (عارِضاً) أي : سحابا أسود بارزا في الأفق ، ظاهر الأمر عند من له أهلية النظر ، حال كونه قاصدا إليهم. (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) أي : طالبا لأن يكون مقابلا لها وموجدا لذلك. (قالُوا) على عادة جهلهم ، مشيرين إليه بأداة القرب الدالة على أنهم في غاية الجهل ، لأنّ جهلهم به استمّر حتى كاد أن يواقعهم. (هذا عارِضٌ) أي : سحاب معترض في عرض السماء. أي : ناحيتها. (مُمْطِرُنا) قال المفسرون : كان حبس عنهم المطر أياما فساق الله تعالى إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا فقال الله تعالى (بَلْ هُوَ) أي : هذا العارض الذي ترونه (مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) أي : طلبتم العجلة في إتيانه وقوله تعالى : (رِيحٌ) بدل من (مَا فِيها عَذابٌ