عارض ممطرنا فاحذروا أيها العرب مثل ذلك إن لم ترجعوا» (١). فإن قيل قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣] فكيف يحصل التخويف أجيب بأنّ ذلك كان قبل نزول الآية. ثم أخبر الله تعالى عن مكنة عاد بقوله سبحانه :
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) أي : تمكينا تظهر به عظمتنا (فِيما) أي : في الذي (إِنْ) نافية أي : ما (مَكَّنَّاكُمْ) يا أهل مكة (فِيهِ) من قوّة الأبدان ، وطول الأعمار ، وكثرة الأموال ، وغيرها. ثم إنّهم مع ذلك ما نجوا من عذاب الله تعالى. فكيف يكون حالكم؟
تنبيه : قال البقاعي : وجعل النافي إن ؛ لأنها أبلغ من (ما) لأن ما تنفى تمام الفوت ، لتركبها من الميم والألف التي حقيقة إدراكها فوت تمام الإدراك. وإن تنفي أدنى مظاهر مدخولها ، فكيف بما وراء من تمامه؟ لأنّ الهمزة أوّل مظهر لفوت الألف ، والنون لمطلق الإظهار. هذا إلى ما في ذلك من عذوبة اللفظ ، وصونه عن ثقل التكرار ، إلى غير ذلك من بديع الأسرار ا. ه.
وقال الزمخشريّ : إن نافية أي : فيما ما مكناكم فيه إلا أن إن أحسن في اللفظ ، لما في مجامعة ما بمثلها من التكرار المستبشع ، ومثله مجتنب. ألا ترى أنّ الأصل في مهما : ماما فلبشاعة التكرير قلبوا الألف هاء ولقد أغث أبو الطيب في قوله (٢) :
لعمرك ما ما بان منك لضارب
وما ضرّه لو اقتدى بعذوبة لفظ التنزيل فقال : لعمرك ما إن بان منك لضارب. وقد جعلت إن صلة مثلها فيما أنشده الأخفش رحمهالله تعالى (٣) :
يرجّي المرء ما إن لا يراه |
|
وتعرض دون أدناه الخطوب |
وتؤوّل بأنا مكناهم في مثل ما مكناكم فيه والوجه هو الأوّل (وَجَعَلْنا لَهُمْ) أي على ما اقتضته عظمتنا (سَمْعاً) وأفرده لقلة التفاوت فيه (وَأَبْصاراً) وجمعه لكثرة التفاوت في أنوار الأبصار ، وكذا في قوله تعالى : (وَأَفْئِدَةً) أي : فتحنا عليهم أبواب النعم ، وأعطيناهم سمعا فما استعملوه في سماع الدلائل. وأعطيناهم أبصارا فما استعملوها في دلائل ملكوت السموات والأرض وأعطيناهم أفئدة ، أي : قلوبا فما استعملوها في طلب معرفة الله تعالى ، بل صرفوا كل هذه القوى إلى طلب الدنيا ولذاتها. فلا جرم قال تعالى : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) في حال إرسالنا إليهم
__________________
(١) أخرجه مسلم في الاستسقاء حديث ٨٩٩ ، والترمذي في الدعوات حديث ٣٤٤٩ ، وابن ماجه في الدعاء حديث ٣٨٩١.
(٢) يروى البيت بتمامه بلفظ :
يرى أن ما بان منك لضارب |
|
بأقتل مما بان منك لعائب |
والبيت من الطويل ، وهو للمتنبي في ديوانه ١ / ٢٧٠ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٣) البيت من الوافر ، وهو لجابر بن رألان الطائي أو لإياس بن الأرت في الخزانة ٨ / ٤٤٠ ، ٤٤٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٥ ، ولجابر في شرح التصريح ٢ / ٢٣٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٨٨ ، والجنى الداني ص ٢١٠ ، والدرر ٢ / ١١٠ ، ومغني اللبيب ص ٢٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٥ ، ويروى عجز البيت بلفظ :
وتعرض دون أبعده الخطوب