بساط بين السماء والأرض؟ أجيب : بأنّ من جنوده ركبانا ومنهم مشاة على الأرض تطوى لهم ، أو أنّ ذلك كان قبل تسخير الريح لسليمان ، ويروى أنّ سليمان لما بلغ وادي النمل حبس جنده حتى دخل النمل بيوتهم ، فقد روي أنه سمع كلامها من ثلاثة أميال ، وقيل : كان اسمها طاخية.
فائدة : قال أهل المعاني في كلام هذه النملة أنواع من البلاغة نادت ونبهت وسمت وأمرت ونصت وحذرت وخصت وعمت وأشارت وأعذرت ، ووجهه : نادت يا ، نبهت : ها ، سمت : النمل ، أمرت : ادخلوا ، نصت : مساكنكم ، حذرت : لا يحطمنكم ، خصت : سليمان ، عمت : وجنوده ، أشارت : وهم ، أعذرت : لا يشعرون.
ولما كان هذا أمر معجبا لما فيه من جزالة الألفاظ وجلالة المعاني تسبب عنه قوله : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) أي : لما أوتيته من الفصاحة والبيان وسرورا بما وصفته به من العدل في أنه وجنوده لا يؤذي أحدا وهم يعلمون ، وبما آتاه الله من سمعه كلام النملة وإحاطته بمعناه.
تنبيه : ضاحكا : حال مؤكدة لأنها مفهومة من تبسم ، وقيل : هي حال مقدّرة فإنّ التبسم ابتداء الضحك ، وقيل : التبسم قد يكون للغضب ، ومنه تبسم تبسم الغضبان ، فضاحكا : مبينا له ، قال عنترة (١):
لما رآني قد قصدت أريده |
|
أبدى نواجذه لغير تبسم |
وقال الزجاج : أكثر ضحك الأنبياء التبسم ، وقوله : ضاحكا أي : متبسما ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : «ما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم» (٢) ، وعن عبد الله بن الحارث بن جبير قال : «ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلىاللهعليهوسلم» (٣) ، وقيل : كان أوّله التبسم ، وآخره الضحك ، ثم حمد الله تعالى على هذه النعمة وسأل ربه توفيق شكره لما تذكر ما أولاه ربه سبحانه وتعالى بحسن تربيته من فهم كلامها إلى ما أنعم عليه من غير ذلك. (وَقالَ رَبِ) أي : أيها المحسن إليّ (أَوْزِعْنِي) أي : ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) وقيل معناه لغة : اجعلني أزع شكر نعمتك أي : أكفه وأمنعه حتى لا يفلت مني فلا أزال شاكرا ، وأزع بفتح الزاي أصله : أوزع فحذفت واوه كما في أدع.
ولما أفهم ذلك تعلق النعمة به حققه بقوله (الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) وأفهم قوله : (وَعَلى والِدَيَ) أن أمّه كانت أيضا تعرف منطق الطير وإنما أدرج ذكر والديه لأنّ النعمة على الولد نعمة على الوالدين خصوصا النعمة الراجعة إلى الدين فإنه إذا كان تقيا نفعهما بدعائه وشفاعته ودعاء المؤمنين لهما كلما دعوا له وقالوا رضي الله عنك وعن والديك.
تنبيه : الشكر لغة : فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الشاكر أو غيره سواء كان ذكرا باللسان أم اعتقادا أو محبة بالجنان أم عملا وخدمة بالأركان ، كما قال القائل (٤) :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة |
|
يدي ولساني والضمير المحجبا |
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو في ديوان عنترة ص ١٢٤ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٢) أخرجه البخاري في الأدب باب ٦٨ ، وأبو داود في الأدب باب ١٠٤ ، وأحمد في المسند ٦ / ٦٦.
(٣) أخرجه الترمذي في المناقب حديث ٣٦٤١ ، وأحمد في المسند ٤ / ١٩٠ ، ١٩١.
(٤) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.