لمكّة أمّ القرى.
قال ع (١) : وكما يقال : أمّ الرّأس لمجتمع الشؤون ، فجميع المحكم هو أم الكتاب ، ومعنى الآية الإنحاء على أهل الزيغ ، والمذمّة لهم ، والإشارة بذلك أولا إلى نصارى نجران ، وإلى اليهود الذين كانوا معاصرين لمحمّد صلىاللهعليهوسلم ، فإنهم كانوا يعترضون معاني القرآن ، ثم يعم بعد ذلك كلّ زائغ ، فذكر تعالى ؛ أنه نزّل الكتاب / على نبيّه محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ إفضالا منه ، ونعمة ؛ وأنّ محكمه وبيّنه الّذي لا اعتراض فيه هو معظمه ، والغالب فيه ؛ وأنّ متشابهه الذي يحتمل التّأويل ، ويحتاج إلى التفهّم هو أقلّه ، ثم إن أهل الزيغ يتركون المحكم الذي فيه غنيتهم ، ويتبعون المتشابه ؛ ابتغاء الفتنة ، وأن يفسدوا ذات البين ، ويردوا النّاس إلى زيغهم.
م : قال أبو البقاء : (وَأُخَرُ) : معطوف على (آياتٌ) ، و (مُتَشابِهاتٌ) : نعت ل (أُخَرُ).
وقوله تعالى : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) : يعمّ كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل صاحب بدعة ، والزيغ : الميل ، و (ابْتِغاءَ) : نصب على المفعول من أجله ، ومعناه : طلب الفتنة ، قال الربيع : الفتنة هنا الشرك ، وقال مجاهد : الفتنة : الشبهات ، واللّبس على المؤمنين ، ثم قال : وابتغاء تأويله ، والتأويل هو مردّ الكلام ، ومرجعه ، والشيء الذي يقف عليه من المعاني ، وهو من : آل يئول ، إذا رجع ، فالمعنى : وطلب تأويله على منازعهم الفاسدة ، هذا في ما له تأويل حسن ، وإن كان ممّا لا يتأوّل ، بل يوقف فيه ، كالكلام في معنى الرّوح ونحوه ، فنفس طلب تأويله هو اتّباع ما تشابه ، ثم قال تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) ، أي : وما يعلم تأويله على الكمال إلا الله سبحانه.
واختلف في قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، فرأت فرقة أنّ رفع الراسخين هو بالعطف على اسم الله (عزوجل) ؛ وأنه مع علمهم بالمتشابه يقولون : (آمَنَّا بِهِ) ، وقالت طائفة أخرى : والراسخون : رفع بالابتداء ، وهو مقطوع من الكلام الأول ، وخبره «يقولون» ، والمنفرد بعلم المتشابه هو الله وحده.
__________________
ـ وابن عباس ، وعنه ابن بريدة ، وعكرمة ، وقتادة ، وسليمان التيمي.
قال أبو داود : لم يسمع من عائشة ، وثقه أبو حامد ، توفي قبل التسعين «بخراسان».
ينظر : «الخلاصة» (٣ / ١٦٤ ـ ١٦٥)
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٠١)