وذهب جمهور كثير إلى أنّ الحياة والموت في الآية حقيقة ، لا أنها استعارة ، ثم اختلفوا في المثل التي فسّروا بها.
فقال ابن مسعود : هي النّطفة ، تخرج من الرجل ، وهي ميتة ، وهو حيّ ، ويخرج الرجل منها ، وهي ميتة (١).
وقال عكرمة : هو إخراج الدّجاجة ، وهي حية ، من البيضة ، وهي ميتة ، وإخراج البيضة ، وهي ميتة من الدّجاجة ، وهي حية (٢).
وروى السّدّيّ ، عن أبي مالك ، قال : هي الحبّة تخرج من السنبلة ، والسنبلة تخرج من الحبّة ، وكذلك النّواة (٣).
وقوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ ...) الآية : هذا النهي عن الاتخاذ ، إنما هو عن إظهار اللّطف للكفّار ، والميل إليهم ، فأما أن يتخذوا بالقلب ، فلا يفعل ذلك مؤمن ، ولفظ الآية عامّ في جميع الأعصار.
واختلف في سبب نزولها ، فقال ابن عبّاس : في كعب بن الأشرف وغيره ، قد بطنوا بنفر من الأنصار ، ليفتنوهم عن دينهم ، فنزلت في ذلك الآية (٤) ، وقال قوم : نزلت في قصّة حاطب بن أبي بلتعة ، وكتابه إلى أهل مكّة (٥) ، والآية عامّة في جميع هذا.
وقوله تعالى : (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) : معناه : في شيء مرضيّ ؛ كقوله صلىاللهعليهوسلم : «من غشّنا ، فليس منّا» (٦) ، ثم أباح سبحانه إظهار اتخاذهم بشرط الاتقاء ، فأما إبطانه ، فلا يصحّ أن يتصف به مؤمن في حال.
وقوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ ...) إلى آخر الآية : وعيد وتنبيه ووعظ وتذكير بالآخرة.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٢٢٣) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١ / ٣٨٥) ، والبغوي في «تفسيره» (١ / ٢٩١)
(٢) أخرجه الطبري بنحوه في «تفسيره» (٣ / ٢٢٤) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٢٩١) ، وابن عطية (١ / ٤١٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٧) بنحوه ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ عن عكرمة.
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤١٨)
(٤) ذكره ابن عطية (١ / ٤١٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٨)
(٥) ذكره ابن عطية (١ / ٤١٩)
(٦) تقدم تخريجه.