فقل للحواريّات يبكين غيرنا |
|
ولا تبكنا إلّا الكلاب النّوابح (١) |
وقول الحواريّين : (وَاشْهَدْ) يحتمل أن يكون خطابا لعيسى ـ عليهالسلام ـ ، أي : اشهد لنا عند الله ، ويحتمل أن يكون خطابا لله تعالى ؛ كقوله صلىاللهعليهوسلم في حجّة الوداع : «اللهمّ ، اشهد» ، وقولهم : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) يريدون : الإنجيل ، وآيات عيسى ، (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ، أي : في عداد من شهد بالحقّ من مؤمني الأمم ، ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل الكافرين بعيسى ـ عليهالسلام ـ ، فقال : (وَمَكَرُوا) ، يريد في تحيّلهم في قتله بزعمهم فهذا هو مكرهم ، فجازاهم الله تعالى ؛ بأن طرح شبه عيسى على أحد الحواريّين ؛ في قول الجمهور ، أو على يهوديّ منهم كان جاسوسا ، وأعقب بني إسرائيل مذلّة وهوانا في الدّنيا والآخرة ، فهذه العقوبة هي التي سمّاها الله تعالى مكرا في قوله : (وَمَكَرَ اللهُ) ، وذلك مهيع (٢) أن تسمّى العقوبة باسم الذنب.
وقوله : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) : معناه : فاعل حقّ في ذلك ، وذكر أبو القاسم القشيريّ في «تحبيره» ، قال : سئل ميمون ، أحسبه : ابن مهران (٣) ؛ عن قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) فقال : تخليته إياهم ، مع مكرهم هو مكره بهم. ا ه. ونحوه عن الجنيد (٤) ، قال الفرّاء : المكر من المخلوق الخبّ والحيلة ، ومن الإله الاستدراج ، قال الله
__________________
(١) البيت لأبي جلدة اليشكري كما ذكر المصنف وهو من شعراء الدولة الأموية. من قصيدة قالها الشاعر ، تحريضا وتحضيضا على قتال أهل «الشام» وهو يرمي أهل الشام وأنصار معاوية بالكفر والتنصّر ، ويصف نفسه وجماعته أنهم أهل بداوة وخشونة ، ومعنى البيت : قل للنساء الحضريات يبكين غيرنا ؛ فلسنا ممن عرف بالحضر على الفراش ، بل نحن من أهل البدو والمحاربة ، فلا تبكي علينا إلا الكلاب التي تساق معنا في البدو ، أو الكلاب التي جرت عادتهن أن يأكلن قتلانا في المحاربة. والبيت في «مجاز القرآن» (١ / ٩٥) ، و «جامع البيان» (٦ / ٤٥١) ، و «معاني القرآن» للزجاج (١ / ٤٢٣) ، و «الكشاف» (١ / ٤٣٢) ، و «الجمهرة» (١ / ٢٣٠) ، (٢ / ١٤٦) ، والأساس (حور) ، (ص ١٤٦) ، و «اللسان» (ص ١٠٤٣) ، الطبري (٦ / ٤٥٠)
(٢) المهيع : هو الطريق الواسع المنبسط ، وهو مفعل من التهيع ، وهو الانبساط.
ينظر : «لسان العرب» (٤٧٣٨) (هيع)
(٣) ميمون بن مهران الرقي ، أبو أيوب : فقيه من القضاة ، كان مولى لامرأة ب «الكوفة» ، وأعتقته ، فنشأ فيها ، ثم استوطن الرقة (من بلاد الجزيرة الفراتية) فكان عالم الجزيرة ، وسيدها ، واستعمله عمر بن عبد العزيز على خراجها وقضائها ، وكان على مقدمة الجند الشامي ، مع معاوية بن هشام بن عبد الملك ، لما عبر البحر غازيا إلى «قبرس» ، سنة ١٠٨ ه ، وكان ثقة في الحديث ، كثير العبادة.
توفي سنة (١١٧) ه. ينظر «الأعلام» (٧ / ٣٤٢)
(٤) الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز ، أبو القاسم : صوفي من العلماء بالدين. مولده ومنشؤه ووفاته ببغداد ، أصل أبيه من «نهاوند» وعرف بالخزاز ؛ لأنه كان يعمل الخز. قال أحد معاصريه : ما رأت ـ