قال ع (١) : ويحتمل أن يكون قوله : (أَنْ يُؤْتى) بدلا من قوله : (هُدَى اللهِ). قلت : وقد أطالوا الكلام هنا ، وفيما ذكرناه كفاية.
وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) في الآية تكذيب لليهود في قولهم : لن يؤتي الله أحدا مثل ما أتى بني إسرائيل ؛ من النبوّة والشّرف ، وباقي الآية تقدّم تفسير نظيره.
(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٧٨)
وقوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ ...) الآية : أخبر تعالى عن أهل الكتاب ؛ أنهم قسمان في الأمانة ، ومقصد الآية ذمّ الخونة منهم ، والتفنيد لرأيهم وكذبهم على الله في استحلالهم أموال العرب. قال الفخر (٢) وفي الآية ثلاثة أقوال :
الأول : أنّ أهل الأمانة منهم الّذين أسلموا ، أمّا الذين بقوا على اليهوديّة ، فهم مصرّون على الخيانة ؛ لأن مذهبهم أنّه يحلّ لهم قتل كلّ من خالفهم في الدّين ، وأخذ ماله.
الثّاني : أنّ أهل الأمانة منهم هم النصارى ، وأهل الخيانة هم اليهود.
الثالث : قال ابن عبّاس : أودع رجل عبد الله بن سلام ألفا ومائتي أوقية من ذهب ، فأدّى إليه ، وأودع آخر فنحاصا اليهوديّ دينارا ، فخانه ، فنزلت الآية. ا ه (٣).
قال ابن العربيّ في «أحكامه» (٤) : قال الطبريّ (٥) : وفائدة هذه الآية النهي عن ائتمانهم
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٥٦)
(٢) ينظر : «مفاتيح الغيب» (٨ / ٨٨)
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٣١٧)
(٤) ينظر : «أحكام القرآن» (١ / ٢٧٥)
(٥) ينظر : «تفسير الطبري» (٣ / ٣١٥) بنحوه.