عهد الشيخ الطوسي ـ تتجذر هنا ، وتتعاقب عليها أجيال ، ويزدحم حواليها نفرٌ من كلّ طائفة يريد أن يتفقّه في الدين ، .. يقلّب صفحات المُنزّل ، وينفض ما بقي من غبار عن مباهج السنّة ، ثم يأخذ طريقه نحو الاجتهاد بكل ثقة واطمئنان ، فمرةً يميل نحو هذا الرأي ومرة أُخرى يقيم رأياً جديداً على حطام ما أصاب معول الهدم ، ومن وراء ذلك كله كانت حصيلة ما جاء بها الإسلام آخذةً نحو التجديد على وفق ما تتطلبه الحياة الجديدة وحتى عصرنا الحاضر.
فرجل الدين لا يبتعد أثناء مسيرته عما يتصل بالأدب العربي شعراً أو نثراً شاء أم أبى ، فالشواهد الشعرية عند قراءة علم النحو وعلم البلاغة ، قد تكون السّبب الأول لميوله نحو هذا الفن ، وحين يتصل بالشعر ويألفه ، فقد يكون ذا موهبة توصله إلى مرحلة الإبداع ، وقد يكون عابرَ سبيل لا ينظر إلى الشعر إلّا الالتزام بالموسيقى في الشطرين ، فهو بالتالي يجيد النظم لا الشعر، وفي هذا المنطلق كان أكثر رجال الدين يزاولون الشعر أو النظم تبعاً لما تفرضه عليهم قابلياتهم.
فالنجف بكل ما فيها تكاد تنطق بالشعر ، فكثرة المحافل والمناسبات الدينية لا تقوم إلّا على الشعر ، وحين يقع في أيدينا كتاب (شعراء الغري) ـ وعدد أجزائه اثنا عشر جزءً ـ