من الدواب أمة ما روي عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
فإن قلت ثبت بالآية والحديث أن الدواب والطير أمم أمثالنا وهذه المماثلة لم تحصل من كل الوجوه فيما يظهر لنا فما وجه هذه المماثلة.
قلت : اختلف العلماء في وجه هذه المماثلة فقيل : إن هذه الحيوانات تعرف الله وتوحده وتسبّحه وتصلي له كما أنكم تعرفون الله وتوحدونه وتسبحونه وتصلّون له. وقيل : إنها مخلوقة لله كما أنكم مخلوقون لله عزوجل وقيل إنها يفهم بعضها عن بعض ويألف بعضها بعضا كما أن جنس الإنسان يألف بعضهم بعضا ويفهم بعضهم عن بعض. وقيل : أمثالكم في طلب الرزق وتوقي المهالك ومعرفة الذكر والأنثى. وقيل : أمثالكم في الخلق والموت والبعث بعد الموت للحساب حتى يقتص للجماء من القرناء وهو قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) يعني في اللوح المحفوظ لأنه يشمل جميع أحوال المخلوقات وقيل إن المراد بالكتاب القرآن يعني أن القرآن مشتمل على جميع الأحوال : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) يعني الدواب والطير قال ابن عباس : حشرها موتها. وقال أبو هريرة يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كوني ترابا (م).
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣))
قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعني بالقرآن وبمحمد صلىاللهعليهوسلم وقيل : كذبوا بحجج الله وأدلته على توحيده (صُمٌ) يعني عن سماع الحق (وَبُكْمٌ) يعني عن النطق به والمعنى أنهم في حال كفرهم وتكذيبهم كمن لا يسمع ولا يتكلم ، ولهذا شبه الكفار بالموتى لأن الميت لا يسمع ولا يتكلم (فِي الظُّلُماتِ) يعني في ظلمات الكفر ، حائرين مترددين فيها لا يهتدون سبيلا (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) يعني عن الإيمان (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني ومن يشأ يجعله الله على دين الإسلام وفي هذا دليل على أن الهادي والمضل هو الله تعالى فمن أحب هدايته وفقه بفضله وإحسانه للإيمان به ومن أحب ضلالته تركه على كفره وهذا عدل منه لأنه تعالى هو الفاعل المختار لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) يعني : قل يا محمد لهؤلاء الكفار الذين تركوا عبادة الله عزوجل وعبدوا غيره من الأصنام أخبروني تقول العرب أرأيتك بمعنى أخبرنا بحالك وأصله أرأيتم والكاف فيه للتأكيد : (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) يعني قبل الموت مثل ما نزل بالأمم الماضية الكافرة من : الغرق والخسف والمسخ والصواعق ونحو ذلك من العذاب (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) يعني القيامة (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) يعني في كشف العذاب عنكم (إِنْ كُنْتُمْ