تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ) يعني وإن تفتد بكل فداء والعدل الفداء (لا يُؤْخَذْ مِنْها) يعني العدل وتلك الفدية (أُولئِكَ الَّذِينَ) إشارة إلى الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا (أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا) يعني أسلموا إلى الهلاك بسبب ما اكتسبوا (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) ذلك لهم بسبب كفرهم.
قوله تعالى : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) يعني : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين دعوك إلى دين آبائك أندعو يعني أنعبد من دون الله يعني الأصنام التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من ترك عبادتها (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) يعني ونرد إلى الشرك (بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ) يعني إلى دين الإسلام والتوحيد (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ) يعني كالذي ذهبت به الشياطين فألقته في هوية من الأرض وأصله من الهوى وهو النزول من أعلى إلى أسفل (حَيْرانَ) يقال : حار فلان في الأمر ، إذا تردد فيه فلم يهتد إلى الصواب ولا المخرج منه (لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) يعني لهذا المتحير الذي استهوته الشياطين أصحاب على الطريق المستقيم (ائْتِنا) يعني يقولون له ائتنا وهذا مثل ضربه الله لمن يدعو إلى عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولمن يدعو إلى عبادة الله عزوجل الذي يضر وينفع يقول مثلهما كمثل رجل في رفقة ضل به الغول والشيطان عن الطريق المستقيم فجعل أصحابه ورفقته يدعونه إليهم يقولون : هلم إلى الطريق المستقيم وجعل الغيلان يدعونه إليهم فبقي حيران لا يدري أين يذهب فإن أجاب الغيلان ضل وهلك وإن أجاب أصحابه اهتدى وسلم (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) يعني أن طريق الله الذي أوضحه لعباده ودينه الذي شرعه لهم هو الهدى والنور والاستقامة لا عبادة الأصنام ففيه زجر عن عبادتها كأنه يقول لا تفعل ذلك فإن هدى الله هو الهدى لا هدى غيره (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ) أي وأمرنا أن نسلم ونخلص العبادة (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) لأنه هو الذي يستحق العبادة لا غيره.
(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣))
(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) يعني وأمرنا بإقامة الصلاة والتقوى لأن فيهما ما يقرب إليه (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يعني في يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم.
قوله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) يعني إظهارا للحق فعلى هذا تكون الباء بمعنى اللام لأنه جعل صنعه دليلا على وحدانيته. وقيل : خلقها بكمال قدرته وشمول علمه وإتقان صنعه وكل ذلك حق. وقيل خلقها بكلامه الحق وهو قول كن وفيه دليل على أن كلام الله تعالى ليس بمخلوق لأنه لا يخلق مخلوق بمخلوق (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ). وقيل إنه راجع إلى خلق السموات. والمعنى : اذكر يوم قال للسموات والأرض كن فيكون. وقيل : يرجع إلى القيامة ويدل عليه سرعة البعث والحساب كأنه قال : ويوم يقول للخلق موتوا فيموتون وقوموا للحساب فيقومون أحياء (قَوْلُهُ الْحَقُ) يعني أن قول الله تبارك وتعالى للشيء إذا أراده كن فيكون حق وصدق وهو كائن لا محالة (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) إنما أخبر عن ملكه يومئذ وإن كان الملك له سبحانه وتعالى خالصا في كل وقت في الدنيا والآخرة لأنه لا منازع يومئذ يدعي الملك وأنه المنفرد بالملك يومئذ وأن من كان يدعي الملك بالباطل من الجبابرة والفراعنة وسائر الملوك الذين كانوا في الدنيا قد زال ملكهم واعترفوا بأن الملك لله الواحد القهار وإنه لا منازع له فيه واعلموا أن الذي كانوا يدعونه من الملك في الدنيا باطل وغرور.
واختلف العلماء في الصور المذكور في الآية فقال قوم : هو قرن ينفخ فيه وهو لغة أهل اليمن. قال