هذه الأديان قد اختلفوا في دينهم أيضا اختلافا كثيرا لا ينضبط عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «تفرق اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين والنصارى مثل ذلك وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» أخرجه أبو داود والترمذي بنحوه عن معاوية قال «قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة» أخرجه أبو داود قال الخطابي : قوله صلىاللهعليهوسلم «وستفترق أمتي» فيه دلالة على أن هذه الفرق غير خارجة من الملة والدين إذ جعلهم من أمته وقال غيره المراد بهذه الفرق أهل البدع والأهواء الذين تفرقوا واختلفوا وظهروا بعده كالخوارج والقدرية والمعتزلة والرافضة وغيرهم من أهل البدع والأهواء والمراد بالواحدة هي فرقة السنة والجماعة الذين اتبعوا الرسول صلىاللهعليهوسلم في أقواله وأفعاله.
وقوله سبحانه وتعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) يعني لكن من رحم ربك فمنّ عليه بالهداية والتوفيق إلى الحق ، وهداه إلى الدين القويم والصراط المستقيم فهم لا يختلفون (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) قال الحسن وعطاء وللاختلاف خلقهم.
قال أشهب : سألت مالك بن أنس عن هذه الآية فقال خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير ، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : وللرحمة خلقهم يعني الذين يرحمهم.
وقال الفراء : خلق أهل الرحمة للرحمة وخلق أهل الاختلاف للاختلاف ، وقيل : خلق الله عزوجل أهل الرحمة للرحمة لئلا يختلفوا وخلق أهل العذاب لأن يختلفوا وخلق الجنة وخلق لها أهلا وخلق النار وخلق لها أهلا فحاصل الآية أن الله خلق أهل الباطل وجعلهم مختلفين ، وخلق أهل الحق وجعلهم متفقين فحكم على بعضهم بالاختلاف ومصيرهم إلى النار وحكم على بعضهم بالرحمة وهم أهل الاتفاق ومصيرهم إلى الجنة ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله تبارك وتعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهذا صريح بأن الله سبحانه وتعالى خلق أقواما للجنة وللرحمة فهداهم ووفقهم لأعمال أهل الجنة وخلق أقواما للضلالة والنار فخذلهم ومنعهم من الهداية.
(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣))
قوله سبحانه وتعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) لما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة الكريمة قصص الأمم الماضية والقرون الحالية وما جرى لهم مع أنبيائهم خاطب نبيه صلىاللهعليهوسلم بقوله وكلّا نقص عليك يا محمد من أنباء الرسل يعني من أخبار الرسل وما جرى لهم مع قومهم ما نثبت به فؤادك يعني ما نقوي به قلبك لتصبر على أذى قومك وتتأسى بالرسل الذين خلوا من قبلك وذلك لأن النبي صلىاللهعليهوسلم إذا سمع هذه القصص وعلم أن حال جميع الأنبياء مع أتباعهم هكذا سهل عليه تحمل الأذى من قومه وأمكنه الصبر عليه (وَجاءَكَ) يا محمد (فِي هذِهِ الْحَقُ) اختلفوا في هذا الضمير إلى ماذا يعود فقيل معناه وجاءك في هذه الدنيا الحق وفيه بعد لأنه لم يجر للدنيا ذكر حتى يعود الضمير إليها وقيل في هذه الآية وقيل في هذه السورة وهو الأقرب وهو قول الأكثرين فإن قلت جاءه الحق في سورة القرآن فلم خص هذه السورة بالذكر قلت لا يلزم من تخصيص هذه السورة بالذكر أن لا يكون قد جاءه الحق في غيرها من السور بل القرآن كله حق وصدق وإنما