لم يكن حينئذ وراءه مسجد (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) يعني بالأنهار والأشجار والثمار ، وقيل سماه مباركا لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحي وقبلة الأنبياء قبل نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم وإليه تحشر الخلق يوم القيامة. فإن قلت : ظاهر الآية يدل على أن الإسراء كان إلى بيت المقدس والأحاديث الصحيحة تدل على أنه عرج به إلى السماء فكيف الجمع بين الدليلين ، وما فائدة ذكر المسجد الأقصى فقط؟ قلت : قد كان الإسراء على ظهر البراق إلى المسجد الأقصى ، ومنه كان عروجه إلى السماء على المعراج وفائدة ذكر المسجد الأقصى فقط أنه صلىاللهعليهوسلم لو أخبر بصعوده إلى السماء أولا لاشتد إنكارهم لذلك فلما أخبر أنه أسرى به إلى بيت المقدس ، وبان لهم صدقه فيما أخبر به من العلامات التي فيه وصدقوه عليها أخبر بعد ذلك بعروجه إلى السماء ، فجعل الإسراء إلى المسجد الأقصى كالتوطئة لمعراجه إلى السماء. وقوله تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) يعني من عجائب قدرتنا فقد رأى محمد صلىاللهعليهوسلم في تلك الليلة الأنبياء وصلى بهم ورأى الآيات العظام. فإن قلت لفظة من في قوله من آياتنا تقتضي التبعيض وقال في حق إبراهيم عليهالسلام وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ، وظاهر هذا يدل على فضيلة إبراهيم عليهالسلام على محمد صلىاللهعليهوسلم ولا قائل به فما وجهه. قلت : ملكوت السموات والأرض من بعض آيات الله أيضا ولآيات الله أفضل من ذلك وأكثر والذي أراه محمدا صلىاللهعليهوسلم من آياته وعجائبه تلك الليلة كان أفضل من ملكوت السموات والأرض ، فظهر بهذا البيان فضل محمد صلىاللهعليهوسلم على إبراهيم صلىاللهعليهوسلم (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقواله ودعائه (الْبَصِيرُ) لأفعاله الحافظة له في ظلمة الليل وقت إسرائه وقيل إنه هو السميع لما قالته له قريش حين أخبرهم بمسراه إلى بيت المقدس (الْبَصِيرُ) بما ردوا عليه من التكذيب. وقيل : إنه هو السميع لأقوال جميع خلقه البصير بأفعالهم فيجازي كل عامل بعمله. وحمله على العموم أولى.
فصل
في ذكر حديث المعراج وما يتعلق به من الأحكام ، وما قال العلماء فيه (ق) حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال : «بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضطجعا ، ومنهم من قال بين النائم واليقظان إذ أتاني آت فقد قال وسمعته يقول : فشق ما بين هذه إلى هذه فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به قال من ثغرة نحره إلى شعرته وسمعته يقول من قصته إلى شعرته ، فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا ، فغسل قلبي ثم حشى ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض فقال له الجارود : أهو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس : نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل عليهالسلام حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل : من هذا؟ قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل : وقد أرسل إليه قال : نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال : هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح. قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال : محمد قيل : وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح ، والنبي الصالح. ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل : ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال : نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يوسف ، قال : هذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل : ومن معك؟ قال : محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت ، فإذا إدريس قال : هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل