الكافر يسجد لله كرها ، وهو كاره. وقال الزجاج : جاء في التفسير أن الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله. قال ابن الأنباري : ولا يبعد أن يخلق الله تعالى للظلال عقولا وأفهاما تسجد بها وتخشع كما جعل للجبال أفهاما حتى سبحت لله مع داود ، وقيل : المراد بسجود الظلال ميلانها من جانب إلى جانب آخر ، وطولها وقصرها بسبب ارتفاع الشمس ونزولها ، وإنما خص الغدو والآصال بالذكر لأن الظلال تعظم ، وتكثر في هذين الوقتين ، وقيل : لأنهما طرفا النهار فيدخل وسطه فيما بينهما.
(فصل)
وهذه السجدة من عزائم سجود التلاوة ، فيسن للقارئ والمستمع أن يسجد عند قراءته واستماعه لهذه السجدة والله أعلم. قوله تعالى (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله من رب السموات والأرض ، يعني من مالك السموات والأرض ، ومن مدبرهما وخالقهما فسيقولون : الله لأنهم مقرون بأن الله خالق السموات وما فيها ، والأرض ، وما فيها فإن أجابوك بذلك فقل : أنت يا محمد الله رب السموات والأرض. وقيل : لما قال هذه المقالة للمشركين عطفوا عليه وقالوا أجب أنت فأمره الله أن يجيبهم بقوله (قُلِ اللهُ) أي قل يا محمد (اللهُ) وقيل : إنما جاء السؤال والجواب من جهة واحدة لأن المشركين لا ينكرون أن الله خالق كل شيء ، فلما لم ينكروا ذلك وأجاب النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله الله فكأنهم قالوا ذلك أيضا ثم ألزمهم الحجة على عبادتهم الأصنام بقوله (قُلْ) أي قل يا محمد للمشركين (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ) يعني من دون الله (أَوْلِياءَ) يعني الأصنام والولي الناصر ، والمعنى توليتم غير رب السموات والأرض واتخذتموهم أنصارا يعني الأصنام (لا يَمْلِكُونَ) يعني وهم لا يملكون (لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) فكيف لغيرهم. ثم ضرب الله مثلا للمشركين الذين يعبدون الأصنام وللمؤمنين الذين يعبدون الله. فقال تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) قال ابن عباس : يعني المشرك والمؤمن (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) يعني الشرك والإيمان والمعنى كما لا يستوي الأعمى والبصير كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن وكما لا تستوي الظلمات والنور كذلك لا يستوي الكفر والإيمان ، وإنما شبه الكافر بالأعمى لأن الأعمى لا يهتدي سبيلا ، كذلك الكافر لا يهتدي سبيلا (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) هذا استفهام إنكار يعني جعلوا لله شركاء (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) يعني خلقوا سموات وأرضين وشمسا وقمرا وجبالا وبحارا وجنا وإنسا (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) من هذا الوجه ، والمعنى هل رأوا غير الله خلق شيئا فاشتبه عليهم خلق الله بخلق غيره ، وقيل : إنه تعالى وبخهم بقوله أم جعلوا لله شركاء خلقوا خلقا مثل خلقه فتشابه خلق الشركاء بخلق الله عندهم ، وهذا استفهام إنكاري أي ليس الأمر كذلك حتى يشتبه عليهم الأمر ، بل إذا تفكروا بعقولهم وجدوا الله تعالى هو المنفرد بخلق سائر الأشياء والشركاء مخلوقون له أيضا لا يخلقون شيئا حتى يشتبه خلق الله بخلق الشركاء ، وإذا كان الأمر كذلك فقد لزمتهم الحجة ، وهو قوله تعالى (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الله خالق كل شيء مما يصح أن يكون مخلوقا ، وقوله الله خالق كل شيء من العموم الذي يراد به الخصوص لأن الله تعالى خلق كل شيء وهو غير مخلوق (وَهُوَ الْواحِدُ) يعني والله تعالى هو الواحد المنفرد بخلق الأشياء كلها (الْقَهَّارُ) لعباده حتى يدخلهم تحت قضائه وقدره وإرادته. وقوله عزوجل : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) لما شبه الله عزوجل الكافر بالأعمى والمؤمن بالبصير وشبه الكفر بالظلمات ، والإيمان بالنور ضرب لذلك مثلا فقال تعالى : أنزل من السماء ماء يعني المطر (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) أودية جمع واد وهو المفرج بين الجبلين يسيل فيها الماء وقوله : فسالت أودية فيه اتساع ، وحذف تقديره فسال في الوادي فهو كما يقال جري النهر والمراد جرى الماء في النهر فحذف في لدلالة الكلام عليه بقدرها. قال مجاهد بمثلها وقال ابن جريج : الصغير بقدره والكبير بقدره ، وقيل : بمقدار مائها وإنما نكر أودية لأن المطر إذا نزل لا يعم جميع