أي في الشدة (أَوْ حَدِيداً) أي في القوة وليس هذا بأمر إلزام بل هو أمر تعجيزي أي استشعروا في قلوبكم ، أنكم حجارة أو حديد في القوة (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قيل : يعني السماء والأرض والجبال لأنها أعظم المخلوقات. وقيل : يعني به الموت لأنه لا شيء في نفس ابن آدم أكبر من الموت ، ومعناه لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) أي من يبعثنا بعد الموت (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ) أي خلقكم (أَوَّلَ مَرَّةٍ) فمن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) أي يحركونها إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بما تقول (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) يعني البعث والقيامة (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) أي هو قريب (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) أي من قبوركم إلى موقف القيامة (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) قال ابن عباس : بأمره وقيل بطاعته وقيل مقرين بأنه خالقهم وباعثهم ويحمدونه حين لا ينفعهم الحمد ، وقيل : هذا خطاب مع المؤمنين فإنهم يبعثون حامدين (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ) أي في الدنيا وقيل في القبور (إِلَّا قَلِيلاً) وذلك لأن الإنسان لو مكث في الدنيا وفي القبر ألوفا من السنين ، عد ذلك قليلا بنسبة مدة القيامة والخلود في الآخرة ، وقيل : إنهم يستحقرون مدة الدنيا في جنب القيامة. قوله سبحانه وتعالى (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المسلمين ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله عزوجل. وقل لعبادي يقولوا يعني للكفار التي هي أحسن ، أي لا يكافئوهم على سفههم بل يقولون لهم يهديكم الله وكان هذا قبل الإذن في القتال والجهاد. وقيل : نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أنه شتمه بعض الكفار ، فأمره الله بالعفو. وقيل : أمر الله المؤمنين أن يقولوا ويفعلوا الخلة التي هي أحسن وقيل الأحسن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) أي يفسد ويلقي العداوة بينهم (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) أي ظاهر العداوة. قوله عزوجل : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) أي يوفقكم للإيمان فتؤمنوا (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) أي يميتكم على الشرك فتعذبوا ، وقيل معناه إن يشأ يرحمكم فينجيكم من أهل مكة ، وإن يشأ يعذبكم أي يسلطهم عليكم (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أي حفيظا وكفيلا قيل : نسختها آية القتال (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني أن علمه غير مقصور عليكم بل علمه متعلق بجميع الموجودات والمعدومات ومتعلق بجميع ذات الأرضين والسموات ، ويعلم حال كل أحد ويعلم ما يليق به من المصالح والمفاسد وقيل : معناه أنه عالم بأحوالهم واختلاف صورهم وأخلاقهم ومللهم وأديانهم (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) وذلك أنه اتخذ إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما ، وقال لعيسى : كن فكان وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وآتى داود زبورا وذلك قوله تعالى (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) وهو كتاب أنزله الله على داود يشتمل على مائة وخمسين سورة ، كلها دعاء وثناء على الله تعالى وتحميد وتمجيد ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود ولا أحكام. فإن قلت : لم خص داود في هذه الآية بالذكر دون غيره من الأنبياء؟ قلت : فيه وجوه : أحدها أن الله ذكر أنه فضل بعض النبيين على بعض ثم قال تعالى : وآتينا داود زبورا وذلك أن داود أعطي مع النبوة الملك ، فلم يذكره بالملك وذكر ما آتاه من الكتاب تنبيها على أن الفضل المذكور في هذه الآية المراد به العلم لا الملك والمال. الوجه الثاني : أن الله سبحانه وتعالى كتب له في الزبور أن محمدا خاتم الأنبياء ، وأن أمته خير الأمم فلهذا خصه بالذكر. الوجه الثالث : أن اليهود زعمت أن لا نبي بعد موسى ، ولا كتاب بعد التوراة فكذبهم الله بقوله : وآتينا داود زبورا ومعنى الآية أنكم لن تنكروا تفضيل النبيين ، فكيف تنكرون تفضيل النبي صلىاللهعليهوسلم وإعطاءه القرآن وأن الله آتى موسى التوراة ، وداود الزبور وعيسى الإنجيل فلم يبعد أن يفضل محمدا صلىاللهعليهوسلم على جميع الخلائق (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قوله عزوجل (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) وذلك أن الكفار أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف ، فاستغاثوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم ليدعو لهم فقال الله عزوجل : قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دونه (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) أي الجوع والقحط (وَلا تَحْوِيلاً) أي إلى