(وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أي حافظا. والمعنى : أنه سبحانه وتعالى لما أمكن إبليس أن يأتي بما يقدر عليه من الوسوسة كان ذلك سببا لحصول الخوف في قلب الإنسان ، قال تعالى (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أي فالله سبحانه وتعالى أقدر منه وأرحم بعباده فهو يدفع عنهم كيد الشيطان ووساوسه ، ويعصمهم من إغوائه وإضلاله. وفي بعض الآثار أن إبليس لما خرج إلى الأرض قال : يا رب أخرجتني من الجنة لأجل آدم فسلطني عليه وعلى ذريته قال : أنت مسلط. قال : لا أستطيعه إلا بك فزدني. قال : استفزز من استطعت منهم الآية. فقال آدم : يا رب سلطت إبليس علي وعلى ذريتي وإني لا أستطيعه إلا بك قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه قال رب زدني قال الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها قال رب زدني قال : التوبة معروضة ما دام الروح في الجسد قال رب زدني فقال يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية. وفي الخبر قال إبليس : يا رب بعثت أنبياء وأنزلت كتبا فما قراءتي؟ قال : الشعر. قال : فما كتابتي؟ قال : الوشم ، قال : ومن رسلي؟ قال الكهنة. قال : أي شيء مطعمي؟ قال ما لم يذكر عليه اسمي قال فما شرابي قال كل مسكر قال : وأين مسكني؟ قال الحمامات ـ قال ـ وأين مجلسي؟ قال في الأسواق قال : وما حبائلي قال : النساء قال : وما أذاني؟ قال المزمار.
قوله (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي) أي يسوق ويجري (لَكُمُ الْفُلْكَ) أي السفن (فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي لتطلبوا من رزقه بالأرباح في التجارة وغيرها (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أي حيث يسر لكم هذه المنافع ، والمصالح وسهلها عليكم (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ) أي الشدة وخوف الغرق في البحر (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ) أي ذهب عن أوهامكم وخواطركم كل من تدعون في حوادثكم من الأصنام وغيرها (إِلَّا إِيَّاهُ) أي إلا الله وحده فإنكم لا تذكرون سواه ولا يخطر ببالكم غيره لأنه القادر على إعانتكم ونجاتكم (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ) أي أجاب دعاءكم وأنجاكم من هول البحر وشدته وأخرجكم (إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) أي عن الإيمان والإخلاص والطاعة ، وكفرتم النعمة وهو قوله تعالى (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) أي جحودا (أَفَأَمِنْتُمْ) أي بعد إنجائكم (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) أي تغوره. والمعنى : أن الجهات كلها له ، وفي قدرته برا كان أو بحرا بل إن كان الغرق في البحر ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف لأنه يغيب تحت الثرى كما أن الغرق يغيب تحت الماء (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي نمطر عليكم حجارة من السماء ، كما أمطرناها على قوم لوط (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) أي مانعا وناصرا (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ) أي في البحر (تارَةً) أي مرة (أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) قال ابن عباس : أي عاصفا وهي الريح الشديدة. وقيل : الريح التي تقصف كل شيء من شجر وغيره (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ) أي بكفرانكم النعمة وإعراضكم حين أنجيناكم (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) التبيع المطالب.
والمعنى : أنا نفعل ما نفعل بكم ثم لا تجدون لكم أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا لكم ودركا للثأر من جهتنا.
وقيل : معناه من يتبعنا بالإنكار علينا. قوله تعالى :
(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١))
(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) قال ابن عباس : هو أنهم يأكلون بالأيدي وغير الآدمي يأكل بفيه من الأرض وقال أيضا بالعقل وقيل بالنطق والتمييز والخط والفهم ، وقيل باعتدال القامة وامتدادها وقيل بحسن الصورة وقيل : الرجال باللحى والنساء بالذوائب. وقيل : بتسليطهم على جميع ما في الأرض وتسخيره لهم وقيل : بحسن تدبيرهم أمر المعاش والمعاد. وقيل بأن منهم خير أمة أخرجت للناس (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ) أي على الإبل