وفكرهم البتة لكونه في غاية الفساد والبطلان فكأنه يجري على لسانهم على سبيل التقليد (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) أي ما يقولون إلا كذبا قيل حقيقة الكذب أنه الخبر الذي لا يطابق المخبر قولهم عنه وزاد بعضهم مع علم قائله أنه غير مطابق وهذا القيل باطل لأن الله سبحانه وتعالى وصف قولهم بإثبات الولد بكونه كذبا مع أن الكثير منهم يقولون ذلك ولا يعلمون كونه باطلا فعلمنا أن كل خبر لا تطابق الخبر عنه فهو كذب والكذب خلاف الصدق ، وقيل : هو الانصراف عن الحق إلى الباطل ورجل كذاب وكذوب إذا كان كثير الكذب. قوله عزوجل (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) أي قاتل نفسك (عَلى آثارِهِمْ) أي من بعدهم (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ) يعني القرآن (أَسَفاً) أي حزنا وقيل غيظا (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) أي مما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها ، وقيل يعني النبات والشجر والأنهار ، وقيل أراد به الرجال خاصة فهم زينة الأرض ، وقيل أراد به العلماء والصلحاء وقيل جميع ما في الأرض هو زينة لها. فإن قلت أي زينة في الحيات والعقارب والشياطين. قلت زينتها كونها تدل على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته ، وقيل إن جميع ما في الأرض ثلاثة معدن ونبات وحيوان وأشرف أنواع الحيوان الإنسان ، قيل الأولى أن لا يدخل في هذه الزينة المكلف ، بدليل قوله تعالى : (لِنَبْلُوَهُمْ) فمن يبلو يجب أن لا يدخل في ذلك ومعنى لنبلوهم نختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي أصلح عملا وقيل أيهم أترك للدنيا وأزهد فيها. (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها) أي من الزينة ، (صَعِيداً جُرُزاً) يعني مثل أرض لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة والصعيد وجه الأرض وقيل هو التراب والجرز الأملس اليابس الذي لا ينبت فيه شيء ، قوله سبحانه وتعالى (أَمْ حَسِبْتَ) أي أظننت يا محمد (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) أي هم عجب من آياتنا وقيل معناه أنهم ليسوا بأعجب آياتنا ، فإن خلقنا من السموات والأرض وما فيهم من العجائب أعجب منهم والكهف الغار الواسع في الجبل ، والرقيم هو لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصتهم ثم وضع على باب الكهف وكان اللوح من رصاص وقيل من حجارة ، وعن ابن عباس أن الرقيم اسم الوادي الذي فيه أصحاب الكهف وقال كعب الأحبار : هو اسم للقرية التي خرج منها أصحاب الكهف وقيل اسم للجبل الذي فيه أصحاب الكهف ثم ذكر الله عزوجل قصة أصحاب الكهف فقال عزوجل من قائل (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) أي صاروا إليه ، وجعلوه مأواهم ، والفتية جمع فتى وهو الطري من الشباب (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي رحمة من خزائن رحمتك وجلائل فضلك وإحسانك وهب لنا الهداية والنصر والأمن من الأعداء (وَهَيِّئْ لَنا) أي أصلح لنا (مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) أي حتى نكون بسببه راشدين مهديين وقيل معناه واجعل أمرنا رشدا كله.
ذكر قصة الكهف وسبب خروجهم إليه :
قال محمد بن إسحاق ومحمد بن يسار مرج أمر أهل الإنجيل ، وعظمت فيهم الخطايا وطغت الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت ، وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكون بعبادة الله وتوحيده وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت وقتل من خالفه وكان ينزل قرى الروم فلا يترك في قرية نزلها أحد إلا فتنه عن دينه حتى يعبد الأصنام أو يقتله. فلما نزل مدينة أصحاب الكهف واسمها أفسوس استخفى منه أهل الإيمان وهربوا في كل وجه فاتخذ شرطا من الكفار وأمرهم أن يتبعوهم بين القتل وبين عبادة الأصنام ، فمنهم من يرغب في الحياة ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل ، فلما رأى ذلك أهل الشدة في الإيمان جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل فيقتلون ويقطعون ويجعل ما قطع من أجسادهم على أسوار المدينة وأبوابها فلما عظمت الفتنة وكثرت ورأى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا واشتغلوا بالصلاة والصيام والصدقة والتسبيح والدعاء ، وكانوا من أشراف الروم وهم ثمانية نفر وبكوا وتضرعوا إلى الله عزوجل وجعلوا يقولون : «ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا» اكشف عن عبادك