الأرض بملك إلا أتاه حتى يذله ، وكان فيما يزعمون إذا أراد الغزو أمر بعسكره فضرب له بخشب ، ثم نصب له على الخشب ، ثم حمل عليه الناس والدواب وآلة الحرب ، فإذا حمل معه ما يريد أمر العاصف من الريح فدخلت تحت ذلك الخشب فاحتملته ، حتى إذا استقلت به أمر الرخاء فمرت به شهرا في روحته وشهرا في غدوته إلى حيث أراد.
وكانت تمر بعسكره الريح الرخاء وبالمزرعة فما تحركها ولا تثير ترابا ولا تؤذي طائرا. قال وهب : ذكر لي أن منزلا بناحية دجلة مكتوب فيه كتبه بعض صحابة سليمان إما من الإنس أو من الجن نحن نزلناه وما بنيناه ومبنيا وجدناه غدونا من إصطخر فقلناه ونحن رائحون منه إن شاء الله فنازلون بالشام وقال مقاتل : نسجت الشياطين لسليمان بساطا فرسخا في فرسخ ذهبا في إبريسم وكان يوضع له منبر من ذهب وسط البساط فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة ، تقعد الأنبياء على كراسي الذهب ، والعلماء على كراسي الفضة ، وحولهم الناس ، وحول الناس الجن والشياطين ، وتظلله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه شمس ، وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح ، وقال الحسن : لما شغلت نبي الله سليمان الخيل حتى فاتته ، صلاة العصر غضب لله فعقر الخيل فأبدله الله مكانها خيرا منها وأسرع الريح تجري بأمره كيف شاء فكان يغدو من إيلياء فيقيل بإصطخر ثم يروح منها فيكون رواحه ببابل. وروي أن سليمان سار من أرض العراق فقال بمدينة بلخ متخللا بلاد الترك ، ثم جاوزهم إلى أرض الصين يغدو على مسيرة شهر ويروح على مثل ذلك ثم عطف يمنة عن مطلع الشمس على ساحل البحر حتى أتى أرض السند وجاوزها وخرج منها إلى مكران وكرمان ، ثم جاوزها حتى أتى أرض فارس فنزلها أياما ، وغدا منها فقال بكسكر ، ثم راح إلى الشام. وكان مستقره بمدينة تدمر وكان أمر الشياطين قبل شخوصه إلى العراق فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام الأصفر والأبيض ، وفي ذلك يقول النابغة :
إلا سليمان إذ قال المليك له |
|
قم في البرية فاحددها عن الفند |
وجيش الجن إني قد أذنت لهم |
|
يبنون تدمر بالصفاح والعمد |
(وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢) وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣))
قوله عزوجل (وَمِنَ الشَّياطِينِ) أي وسخرنا له من الشياطين (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) أي يدخلون تحت الماء فيخرجون له من قعر البحر الجواهر (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) أي دون الغوص وهو اختراع الصنائع العجيبة كما قال (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) الآية ، ويتجاوزون في ذلك إلى أعمال المدن والقصور والصناعات كاتخاذ النورة والقوارير والصابون وغير ذلك (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) يعني حتى لا يخرجوا عن أمره ، وقيل : حفظناهم من أن يفسدوا ما عملوا وذلك أنهم كانوا إذا عملوا عملا في النهار وفرغ قبل الليل أفسدوه وخربوه. قيل : إن سليمان كان إذا بعث شيطانا مع إنسان ليعمل له عملا قال له إذا فرغ من عمله قبل الليل اشغله بعمل آخر لئلا يفسد ما عمل ويخربه. قوله تعالى : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) يعني دعا ربه.
ذكر قصة أيوب عليهالسلام
قال وهب بن منبه : كان أيوب رجلا من الروم وهو أيوب بن أموص بن تارخ بن روم ابن عيص بن إسحاق بن إبراهيم ، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران ، وكان الله تعالى قد اصطفاه ونبأه وبسط له الدنيا ، وكانت له البثنية من أرض البلقاء من أعمال خوارزم مع أرض الشام كلها سهلها وجبلها وكان له فيها من أصناف المال كله