فاتبعها وردها إلى أندره فقال له الملك ما يكفيك ما في أندرك؟ فقال هذه بركة من بركات ربي ولا أشبع من بركاته (خ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال : بلى يا رب ولكني لا غنى لي عن بركتك». وقيل : آتى الله أيوب مثل أهله الذين هلكوا. قال عكرمة : قيل لأيوب إن أهلك في الآخرة فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا ، وإن شئت كانوا لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا فقال : بل يكونون لي في الآخرة وأوتى مثلهم في الدنيا. فعلى هذا يكون معنى الآية (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ) في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا وأراد بالأهل الأولاد (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي نعمة (وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) يعني عظة وعبرة لهم. قوله عزوجل :
(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧))
(وَإِسْماعِيلَ) هو ابن إبراهيم صلىاللهعليهوسلم (وَإِدْرِيسَ) هو أخنوخ (وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) لما ذكر الله أمر أيوب وصبره على البلاء أتبعه بذكر هؤلاء الأنبياء لأنهم صبروا على المحن والشدائد والعبادة أيضا. أما إسماعيل صلىاللهعليهوسلم فإنه صبر على الانقياد إلى الذبح. وأما إدريس فقد تقدمت قصته. وأما ذو الكفل فاختلفوا فيه فقيل نبيا من بني إسرائيل وكان ملكا أوحى الله إليه إني أريد قبض روحك فاعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل أنه يصلي الليل ولا يفتر ويصوم النهار ولا يفطر ويقضي بين الناس ولا يغضب فادفع ملكك إليه ففعل ذلك ، فقام شاب فقال : أنا أتكفل لك بهذا ، فتكفل ووفى فشكر الله له ونبأه فسمي ذا الكفل. وقيل : لما كبر اليسع قال إني أستخلف رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي أنظر كيف يعمل قال : فجمع الناس وقال : من يتقبل مني ثلاثا أستخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ويقضي ولا يغضب ، فقام رجل تزدريه العين فقال : أنا ، فاستخلفه فأتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام من الليل والنهار إلا تلك النومة : فدق الباب فقال : من هذا ، فقال : شيخ كبير مظلوم ، فقام ففتح الباب فقال إن بيني وبين قومي خصومة وإنهم ظلموني وفعلوا وفعلوا ، وجعل يطول عليه ؛ حتى ذهبت القائلة فقال : إذا رحت فائتني حتى آخذ حقك ، فانطلق وراح فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام يبتغيه فلم يجده ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلم يره ، فلما رجع إلى القائلة وقال وأخذ مضجعه دق الباب فقال : من هذا فقال : الشيخ المظلوم ففتح له وقال له : ألم أقل إذا قعدت فائتني؟ قال : إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك إذا قمت جحدوني قال : فانطلق فإذا جلست فائتني وفاتته القائلة ، فلما جلس جعل ينظر فلا يراه وشق عليه النعاس فلما كان اليوم الثالث قال لبعض أهله لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فإنه قد شق علي النعاس فلما كانت تلك الساعة نام فجاء فلم يأذن له الرجل فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها ، فإذا هو في البيت فدق الباب من داخل فاستيقظ فقال يا فلان ألم آمرك قال أما من قبلي فلم تؤت فانظر من أين أتيت فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه ، وإذا الرجل معه في البيت فقال : أتنام والخصوم ببابك ، فنظر إليه فعرفه فقال : أعدو الله؟ قال نعم أعييتني وفعلت ما فعلت لأغضبك فعصمك الله فسمي ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به ، واختلف في نبوته فقيل كان نبيا ، وهو إلياس وقيل هو زكريا ، وقيل إنه كان عبدا صالحا ولم يكن نبيا (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) يعني ما أنعم به عليهم من النبوة وصبرهم إليه في الجنة من الثواب (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ).