أهل الجنة فيدخلها» وقوله تعالى (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) أي كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف خلقكم ولتستدلوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة وقيل : لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة وقيل لنبين لكم أنّ تغير المضغة إلى الخلقة هو اختيار الفاعل المختار فإنّ القادر على هذه الأشياء كيف يكون عاجزا عن الإعادة (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) أي لا تسقطه ولا تمجه (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي وقت خروجه من الرحم تام الخلق (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) أي وقت الولادة من بطون أمهاتكم (طِفْلاً) أي صغارا وإنّما وحد الطفل لأن الغرض الدلالة على الجنس (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) أي كمال القوة والعقل والتمييز (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) أي قبل بلوغ الكبر (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي الهرم والخرف (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) أي يبلغ من السن ما يتغير به عقله فلا يعقل شيئا فيصير كما كان في أول طفوليته ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم ثم ذكر دليلا آخر على البعث فقال تعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) أي يابسة لا نبات فيها (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) يعني المطر (اهْتَزَّتْ) أي تحركت بالنبات (وَرَبَتْ) أي ارتفعت وذلك أنّ الأرض ترتفع بالنبات (وَأَنْبَتَتْ) هو مجاز لأن الله تعالى هو المنبت وأضيف إلى الأرض توسعا (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي من كل صنف حسن نضير والبهيج هو المبهج وهو الشيء المشرق الجميل ثم إنّ الله تعالى لمّا ذكر هذين الدليلين رتب عليهما ما هو المطلوب فقال تعالى :
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣))
(ذلِكَ) أي ذكرنا ذلك لتعلموا (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) وإن هذه الأشياء دالة على وجود الصانع (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) أي إنه إذا لم يستبعد منه إيجاد هذه الأشياء فكيف يستبعد منه إعادة الأموات (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي من كان كذلك كان قادرا على جميع الممكنات (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) أي ما ذكر من الدلائل لتعلموا أن الساعة كائنة لا شك فيها وأنّها حق وأنّ البعث بعد الموت حق قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعني النضر بن الحرث (وَلا هُدىً) أي ليس معه من الله بيان ولا رشاد (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي ولا كتاب من الله له نور (ثانِيَ عِطْفِهِ) أي لاوي جنبه وعنقه متبخترا لتكبّره معرضا عما يدعى إليه من الحق تكبّرا (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن دين الله (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي عذاب وهوان وهو أنه قتل يوم بدر صبرا هو وعقبة بن أبي معيط (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ) أي يقال له ذلك (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي فيعذبهم بغير ذنب والله تعالى على أي وجه أراد يتصرف في عبده فحكمه عدل وهو غير ظالم.
قوله عزوجل (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) الآية نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهرا وولدت امرأته غلاما وكثر ماله ، قال هذا دين حسن وقد أصبت فيه خيرا واطمأن له وإن صابه مرض وولدت امرأته جارية ولم تلد