فيتعظون وهذا قول ابن عباس وقتادة وجماعة من المفسرين : وذلك أن المسلمين إذا استولوا على بلاد الكفار قهرا وتخريبا كان ذلك نقصانا في ديارهم ، وزيادة في ديار المسلمين ، وقوتهم وكان ذلك من أقوى الدلائل على أن الله تعالى ينصر عبده ويعز جنده ويظهر دينه ، وينجز له ما وعده. وقيل : هو خراب الأرض والمعنى أو لم يروا أنا نأتي الأرض فنخربها ونهلك أهلها أفلا يخافون أن نفعل بهم مثل ذلك ، وقال مجاهد : هو خراب الأرض وقبض أهلها. وعن عكرمة والشعبي نحوه وهذا القول قريب من الأول وقال عطاء وجماعة من المفسرين نقصانها موت العلماء وذهب الفقهاء (ق) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، وفي رواية من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» قال الحسن قال عبد الله بن مسعود : موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار ، وقال عبد الله أيضا : عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله ، وقال سليمان : لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر فإذا هلك الأول ولم يتعلم الآخر هلك الناس. وقيل لسعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس؟ قال : هلاك العلماء. فعلى هذا القول فالمراد بالأطراف العلماء ، والأشراف من الناس : حكى الجوهري عن ثعلب قال : الأطراف الأشراف. واستدل الواحدي لهذه اللغة بقول الفرزدق :
واسأل بنا وبكم إذا وردت مني |
|
أطراف كل قبيلة من يتبع |
قال : يريد أشراف كل قبيلة. قال الواحدي : والتفسير على القول الأول أولى لأن هذا وإن صح فلا يليق بهذا الموضع. قال الإمام فخر الدين الرازي : ويمكن أن يقال أيضا إن هذا الوجه لا يليق بهذا الموضع وتقديره أن يقال : أو لم يروا أن كل ما يحدث في الدنيا من الاختلاف خراب بعد عمارة وموت بعد حياة وذل بعد عز ونقص بعد كمال وإذا كانت هذه التغييرات مشاهدة محسوسة فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله الأمر على هؤلاء الكفرة ، فيجعلهم ذليلين بعد ما كانوا عزيزين ومقهورين بعد أن كانوا قاهرين ، وعلى هذا الوجه أيضا يجوز إيصال الكلام بما قبله. وقوله تعالى (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) يعني لا رادّ لحكمه ولا ناقض لقضائه ، والمعقب هو الذي يعقب غيره بالرد والإبطال ، ومنه قيل لصاحب الحق : معقب ، لأنه يعقب غريمه بالاقتضاء والطلب والمعنى : والله يحكم نافذا حكمه خاليا من المدافع والمعارض والمنازع لا يتعقب حكمه أحد غيره بتغيير ، ولا نقض (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) قال ابن عباس : يريد سريع الانتقام ممن حاسبه للمجازاة بالخير والشر فمجازاة الكفار بالانتقام منهم ، ومجازاة المؤمنين بإيصال الثواب إليهم ، وقد تقدم بسط الكلام في معنى سريع الحساب قبل هذا (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني من قبل مشركي مكة من الأمم الماضية ، الذين مكروا بأنبيائهم والمكر إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر مثل ما مكر نمرود بإبراهيم وفرعون بموسى واليهود بعيسى ، (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) يعني عند الله جزاء مكرهم. وقال الواحدي : يعني جميع مكر الماكرين له ومنه أي هو من خلقه وإرادته فالمكر جميعا مخلوق له بيده الخير والشر وإليه النفع والضر. والمعنى أن المكر لا يضر إلا بإذنه وإرادته ، وفي هذا تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وأمان له من مكرهم كأنه قيل : قد فعل من كان قبلهم من الكفار مثل فعلهم وصنعوا مثل صنيعهم ، فلم يضروا إلا من أراد الله ضره ، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن لا يكون الخوف إلا من الله لا من أحد من المخلوقين (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) يعني أن جميع اكتساب العباد وتأثيراتها معلومة لله هو خالقها أو خلاف المعلوم ممتنع الوقوع وإذا كان كذلك فكل ما علم وقوعه فهو واجب الوقوع وكل ما علم عدمه كان ممتنع الوقوع وإذا كان كذلك فلا قدرة للعبد على الفعل والترك ، فكان الكل من الله ولا يحصل ضررا إلا بإذنه وإرادته ، وفيه وعيد للكفار الماكرين (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ) على التوحيد وقرئ وسيعلم الكفار على الجمع. قال ابن عباس : يعني أبا جهل. وقيل : أراد المستهزئين وهم خمسة نفر من كفار مكة (لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ)