لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠))
(الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) يعني خافت من عقاب الله فيظهر عليها الخشوع والتواضع لله تعالى (وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) يعني من البلاء والمرض والمصائب ونحو ذلك مما كان من الله تعالى وما كان من غير الله فله أن يصبر عليه وله أن ينتصر لنفسه (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) يعني في أوقاتها محافظة عليها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) يعني يتصدّقون. قوله تعالى (وَالْبُدْنَ) جمع بدنة سميت بدنة لعظمها وضخامتها ، يريد الإبل الصحاح الأجسام والبقر ولا تسمى الغنم بدنة لصغرها (جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) يعني من أعلام دينه قيل لأنها تشعر وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم بذلك أنها هدي (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) يعني نفع في الدنيا وثواب في العقبى (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها) يعني عند نحرها (صَوافَ) يعني قياما على ثلاث قوائم قد صفت رجليها ويدها اليمنى والأخرى معقولة فينحرها كذلك (ق) عن زياد بن جبير قال : «رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها قال ابعثها قياما مقيدة سنّة محمد صلىاللهعليهوسلم» (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) يعني سقطت بعد النحر ووقع جنبها على الأرض (فَكُلُوا مِنْها) أمر إباحة (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) قيل القانع الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل. والمعتر هو الذي يسأل وعن ابن عباس القانع هو الذي لا يسأل ولا يتعرض. وقيل : القانع هو الذي يسأل والمعتر هو الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل وقيل القانع المسكين والمعتر الذي ليس بمسكين ولا تكون له ذبيحة يجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم (كَذلِكَ) يعني مثل ما وصفنا من نحرها قياما (سَخَّرْناها لَكُمْ) يعني لتتمكنوا من نحرها (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يعني إنعام الله عليكم (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن لطخوا الكعبة بدمائها يزعمون أن ذلك قربة إلى الله تعالى فأنزل الله (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) يعني لن ترفع إلى الله لحومها ولا دماؤها (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) يعني ولكن ترفع إليه الأعمال الصالحة والإخلاص وهو ما أريد به وجه الله (كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ) يعني البدن (لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) وأرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه وهو أن يقول الله : أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) قال ابن عباس الموحدين.
قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) أي يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم منهم وينصرهم عليهم (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) أي خوان في أمانة الله كفور لنعمته. قال ابن عباس : خانوا الله فجعلوا منه شريكا وكفروا نعمه. وقيل من تقرّب إلى الأصنام بذبيحته وسمى غير الله عليها فهو خوان كفور. قوله عزوجل (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) أي أذن الله لهم بالجهاد ليقاتلوا المشركين قال المفسرون كان مشركوا أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلا يزالون يجيئون من بين مضروب ومشجوج ويشكون ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقول لهم : «اصبروا فإني لم أومر بقتال» حتى هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال. وقيل نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة فاعترضهم مشركو مكة فأذن الله لهم في قتال الكفار الذين يمنعون من الهجرة بأنهم ظلموا أي بسبب ما ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) فيه وعد من الله بنصر المؤمنين ثم وصفهم. فقال تعالى (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) يعني أنهم أخرجوا بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتعظيم والتمكين لا موجب الإخراج (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي بالجهاد وإقامة الحدود (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ) هي معابد الرهبان المتخذة في الصحراء (وَبِيَعٌ) هي معابد النصارى في البلد وقيل الصوامع للصابئين والبيع للنصارى (وَصَلَواتٌ) هي كنائس اليهود ويسمونها بالعبرانية صلوتا