محمدا صلىاللهعليهوسلم يأخذ منهم قال الله تعالى (فَقَدْ جاؤُ) يعني قائلي هذه المقالة (ظُلْماً وَزُوراً) أي بظلم وزور ، وهو تسميتهم كلام الله بالإفك والافتراء (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها) يعني النضر بن الحارث كان يقول : إن هذا القرآن ليس من الله وإنما هو مما سطره الأولون مثل حديث رستم وإسفنديار ومعنى اكتتبها انتسخها محمد صلىاللهعليهوسلم من جبر ويسار وعداس وطلب أن تكتب له لأنه كان لا يكتب (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ) أي تقرأ عليه ليحفظها لأنه لا يكتب (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) يعني غدوة وعشية قال الله تعالى ردا عليهم (قُلْ) يا محمد (أَنْزَلَهُ) يعني القرآن (الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) أي الغيب (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي لو لا ذلك لعاجلهم بعذابه (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ) يعنون محمدا صلىاللهعليهوسلم (يَأْكُلُ الطَّعامَ) أي كما نأكل نحن (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) أي يلتمس المعاش كما نمشي نحن وإذا كان كذلك فمن أين له الفضل علينا ، ولا يجوز أن يمتاز عنا بالنبوة وكانوا يقولون له لست بملك لأنك بشر مثلنا ، والملك لا يأكل ولا يملك لأن الملك لا يتسوق وأنت تتسوق وتبتذل وما قالوه فاسد لأن أكله الطعام لكونه آدميا ، ولم يدع أنه ملك ومشيه في الأسواق لتواضعه وكان ذلك صفته في التوراة ولم يكن سخابا في الأسواق وليس شيء من ذلك ينافي النبوة ولأنه لم يدع أنه ملك من الملوك (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) أي يصدقه ويشهد له (فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) أي داعيا (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) أي ينزل عليه كنز من السماء ينفقه فلا يحتاج إلى التصرف في طلب المعاش (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) يعني بستان (يَأْكُلُ مِنْها) أي هو فلا أقل من ذلك إن لم يكن له كنز (وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) يعني مخدوعا وقيل مصروفا عن الحق.
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧))
(انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي الأشباه التي لا فائدة لها فقالوا مسحور محتاج (فَضَلُّوا) أي عن الحق (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) إلى الهدى ومخرجا عن الضلالة. قوله تعالى (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) أي من الذي قالوا : وأفضل من البستان الذي ذكروا وقال ابن عباس يعني خيرا من المشي في الأسواق والتماس المعاش ثم بين ذلك الخير فقال (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) أي بيوتا مشيدة عن أبي أمامة أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا قلت لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما أو قال ثلاثا أو نحو هذا ، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» عن عائشة قالت : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لو شئت لسارت معي جبال مكة ذهبا جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول : إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا فنظرت إلى جبريل فأشار إلي أن ضع نفسك ، فقلت : نبيا عبدا قالت فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا يقول : أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» ذكر هذين الحديثين البغوي بسنده. قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) أي القيامة (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) أي نارا مسعرة (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) قيل : من مسيرة عام وقيل من