لأنهم لم يعملوه لله عزوجل ومنه الحديث الصحيح كل عمل ليس عليه أمرنا ، فهو رد والهباء هو ما يرى في الكوة كالغبار ، إذا وقعت الشمس فيها فلا يمس بالأيدي ، ولا يرى في الظل والمنثور المفرق قال ابن عباس هو ما تسقيه الرياح ، وتذريه من التراب كحطام الشجر وقيل هو ما يسطع من حوافر الدواب عند السير من الغبار. قوله تعالى :
(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩))
(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) أي من هؤلاء المشركين المستكبرين (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) أي موضع القائلة ، وذلك أن أهل الجنة لا يمر بهم يوم القيامة إلا قدر من أول النهار إلى وقت القائلة حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة قال ابن مسعود لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار والقيلولة الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن مع ذلك نوم لأن الله تعالى قال (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) والجنة لا نوم فيها قال ابن عباس الحساب في ذلك اليوم في أوله ، ويروى أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون ، كما بين العصر إلى غروب الشمس. قوله تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) أي عن الغمام وهو غمام أبيض مثل الضبابة ، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) قال ابن عباس تشقق السماء الدنيا فينزل أهلها ، وهم أكثر ممن في الأرض من الإنس والجن ثم تتشقق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس ثم كذلك حتى تتشق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي تليها ثم تنزل الكروبيون ثم حملة العرش (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) أي الملك الذي هو الملك حقا ملك الرحمن يوم القيامة ، قال ابن عباس : يريد أن يوم القيامة لا ملك يقضي غيره (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) أي شديد وفيه دليل على أنه لا يكون على المؤمنين عسيرا وجاء في الحديث «أنه يهون يوم القيامة على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا».
قوله تعالى (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) أراد بالظالم عقبة بن أبي معيط ، وذلك أنه كان لا يقدم من سفر ، إلا صنع طعاما ودعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقدم ذات يوم من سفر ، فصنع طعاما ودعا الناس إليه ودعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما قرب الطعام ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فأكل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من طعامه. وكان عقبة صديقا لأبيّ بن خلف ، فلما أخبر أبيّ بن خلف ، قال له : يا عقبة صبأت ، قال لا والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له ، فاستحييت أن يخرج من بيتي ، ولم يطعم فشهدت له فطعم ، فقال : ما أنا بالذي أرضى عنك أبدا إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه ، ففعل ذلك عقبة فقال عليه الصلاة والسلام ، لا أراك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف ، فقتل عقبة يوم بدر صبرا وأما أبيّ بن خلف فقتله النبيّ صلىاللهعليهوسلم بيده يوم أحد ، وقيل : لما بزق عقبة في وجه النبيّ صلىاللهعليهوسلم عاد بزاقه في وجهه ، فاحترق خداه فكان أثر ذلك في وجهه ، حتى قتل وقيل كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية بن خلف ، فأسلم عقبة فقال له أمية : وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا فكفر وارتد ، فأنزل الله فيه (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) يعني عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، على يديه ، أي ندما وأسفا على ما فرط في جنب الله ، وأوبق نفسه