قال ابن عباس : وبيناه بيانا والترتيل التبيين في ترسل وتثبت وقيل فرقناه تفريقا آية بعد آية (وَلا يَأْتُونَكَ) يعني يا محمد هؤلاء المشركون (بِمَثَلٍ) يعني يضربونه لك في إبطال أمرك (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) أي بما ترد به ما جاءوا به من ما يوردون المثل ، وتبطله فسمي ما يوردون من الشبه مثلا ، وسمي ما يدفع به الشبه حقا (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) يعني أحسن بيانا وتفصيلا ثم ذكر ما لهؤلاء المشركين فقال تعالى (الَّذِينَ) يعني هم الذين (يُحْشَرُونَ) أي يساقون ويجرون (عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً) يعني منزلا ومصيرا (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أي أخطأ طريقا. قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) أي معينا وظهيرا (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعني القبط (فَدَمَّرْناهُمْ) فيه إضمار أي فكذبوهما فدمرناهم (تَدْمِيراً) يعني أهلكناهم إهلاكا (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ) يعني رسولهم ومن كذب رسولا واحدا فقد كذب جميع الرسل فلذلك ذكره بلفظ الجمع (أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) أي عبرة لمن بعدهم (وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ) في الآخرة (عَذاباً أَلِيماً) يعني سيرى ما حل بهم من عاجل العذاب في الدنيا (وَعاداً وَثَمُودَ) أي أهلكنا عادا وثمود (وَأَصْحابَ الرَّسِ) قال وهب بن منبه كان أهل بئر الرس نزولا عليها ، وكانوا أصحاب مواش يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم شعيبا ، يدعوهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وآذوا شعيبا فبينما هم حول البئر في منازلهم ، انهارت البئر وخسف بهم وبديارهم ورباعهم وقيل : الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فأهلكهم الله. وقال سعيد بن جبير : كان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فأهلكهم الله وقيل الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار هم الذين ذكرهم الله في سورة «يس» وقيل هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) أي وأهلكنا قرونا كثيرا بين عاد وثمود وأصحاب الرس (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) أي الأشباه في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) أي أهلكناهم إهلاكا قوله تعالى (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) يعني الحجارة وهي قريات قوم لوط ، وهي خمس قرى أهلك الله منها أربعا ونجت واحدة. وهي أصغرها وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) يعني إذا مروا بها في أسفارهم فيعتبروا ويتعظوا لأن مدائن قوم لوط كانت على طريقهم في ممرهم إلى الشأم (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) يعني لا يخافون بعثا. قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨))
(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) نزلت في أبي جهل كان إذا مر مع أصحابه قال مستهزئا (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) يعني قد قارب أن يضلنا (عَنْ) عبادة (آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) يعني على عبادتها والمعنى لو لم نصبر عليها لصرفنا عنها (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) أي في الآخرة عيانا (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) أي أخطأ طريقا (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد حجرا ، فإذا رأى حجرا أحسن منه رماه وأخذ الأحسن منه وعبده وقال ابن عباس : أرأيت من ترك عبادة الله خالقه ، ثم هوى