حقيقة تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ) هو كل ما يجب أن يلغى ويترك (مَرُّوا كِراماً) يعني إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا فعلى هذا التفسير ، تكون الآية منسوخة بآية القتال. وقيل : اللغو المعاصي كلها ، والمعنى إذا مروا بمجالس اللهو والباطل مروا كراما أي مسرعين معرضين ، وهو أن ينزه المرء نفسه ويكرمها عن هذه المجالس السيئة (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) قيل : معناه أنه ليس فيه نفي الخرور إنما هو إثبات له ونفي الصمم والعمى والمعنى إذا ذكروا بها أكبوا على استماعها بأذان واعية وأقبلوا على المذكر بها بعيون مبصرة راعية. وقيل : معناه لم يخروا أي لم يسقطوا ولم يقعوا عليها صما وعميانا ، كأنهم بآذانهم صمم وبأعينهم عمى بل يسمعون ما يذكرون به ، فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه.
قوله عزوجل (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) يعني أبرارا أتقياء فيقرون أعيننا بذلك قيل : ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته ، وأولاده مطيعين لله عزوجل فيطمع أن يحلوا معه في الجنة فيتم سروره ، وتقر عينه بذلك وقيل : إن العرب تذكر قرة العين عند السرور والفرح وسخنة العين عند الغم والحزن. ويقال : دمع العين عند السرور والفرح بارد وعند الحزن حار وقيل معنى قرة العين أن يصادف قلبه من يرضاه ، فتقر عينه به عن النظر إلى غيره (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) يعني يقتدون في الخير بنا. وقيل : معناه نقتدي بالمتقين وتقتدي بنا المتقون وقال ابن عباس : اجعلنا أئمة هدى وقيل : معناه أنهم سألوا الله أن يبلغهم في الطاعات المبلغ الذي يشار إليهم فيه ويقتدي بهم. قال بعضهم : فيه دليل على أن الرياسة في الدين مطلوبة مرغوب فيها وقيل هذا من المقلوب معناه ، واجعل المتقين لنا إماما واجعلنا مقتدين مؤتمين بهم (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ) أي يثابون (الْغُرْفَةَ) الدرجة العالية الرفيعة في الجنة وقيل : يريد غرف الدر والزبرجد واللؤلؤ والياقوت في الجنة (بِما صَبَرُوا) يعني على طاعة الله تعالى وأوامره وعلى أذى المشركين وقيل : بما صبروا عن الشهوات (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً) أي ملكا وقيل بقاء دائما (وَسَلاماً) أي يسلم بعضهم على بعض أو يرسل الرب عزوجل إليهم السلام وقيل سلاما أي سلامة من الآفات. قوله تعالى (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) أي موضع قرار وإقامة. قوله تعالى (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) أي ما يصنع ما يفعل بكم فوجودكم وعدمكم سواء ، وقيل : معناه أي وزن ومقدار لكم عنده (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) إياه. قيل معناه لولا عبادتكم إياه وقيل : لولا إيمانكم وقيل لو لا دعاؤه إياكم إلى الإيمان فإذا آمنتم ظهر لكم عنده قدر. وقيل : معناه ما يعبأ بخلقكم ربي لو لا عبادتكم وطاقتكم ، والمعنى أنه خلقكم لطاعته وعبادته وهذا قول ابن عباس وقيل : معنى ما يعبأ أي ما يبالي بمغفرتكم ربي لو لا دعاؤكم معه آلهة. وقيل معناه ما خلقتكم ولي إليكم حاجة إلا أن تسألوني ، فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) أيها الكافرون يخاطب أهل مكة يعني أن الله دعاكم إلى توحيده وعبادته على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكذبتم الرسول ولم تجيبوه إلى الإيمان (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) هذا تهديد لهم أي يكون تكذيبهم لزاما قال ابن عباس : موتا وقيل هلاكا وقيل : قتالا والمعنى يكون التكذيب لازما لمن كذب فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله. وقيل : معناه عذابا دائما وهلاكا لازما لمن كذب مفنيا يلحق بعضكم بعضا وقيل : هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ، يعني أنهم قتلوا يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم (ق) عن عبد الله بن مسعود قال «خمس قد مضين الدخان واللزام والروم والبطشة والقمر وفي رواية الدخان والقمر والروم واللزام والبطشة» والله سبحانه وتعالى أعلم.