الْعالَمِينَ) يعني أن فيه من أخبار الأمم الماضية ما يدل على أنه من رب العالمين (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) يعني جبريل عليهالسلام سماه زوجا لأنه خلق من الروح وسماه أمينا ، لأنه مؤتمن على وحيه لأنبيائه (عَلى قَلْبِكَ) يعني على قلبك حتى تعيه وتفهمه ولا تنساه وإنما خص القلب لأنه هو المخاطب في الحقيقة ، وأنه موضع التمييز والعقل والاختيار وسائر الأعضاء مسخرة له ويدل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» أخرجاه في الصحيحين. ومن المعقول أن موضع الفرح والسرور ، والغم والحزن هو القلب ، فإذا فرح القلب أو حزن يتغير حال سائر الأعضاء فكأن القلب كالرئيس لها ، ومنه أن موضع العقل هو القلب على الصحيح من القولين فإذا ثبت ذلك كان القلب هو الأمير المطلق ، وهو المكلف والتكليف مشروط بالعقل والفهم. قوله تعالى (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) أي المخوفين (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) قال ابن عباس بلسان قريش ليفهموا ما فيه (وَإِنَّهُ) يعني القرآن وقيل ذكر محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته ونعته (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أي كتب الأولين (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً) يعني أولم يكن لهؤلاء المتكبرين علامة ودلالة على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم (أَنْ يَعْلَمَهُ) يعني يعلم محمدا صلىاللهعليهوسلم (عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ).
قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد صلىاللهعليهوسلم فقالوا إن هذا لزمانه وإنا نجد في التوراة نعته وصفته فكان ذلك آية على صدقه صلىاللهعليهوسلم قيل كانوا خمسة عبد الله بن سلام وابن يامين وثعلبة وأسد وأسيد. قوله تعالى (وَلَوْ نَزَّلْناهُ) يعني القرآن (عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) جمع أعجمي وهو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية ، وإن كان عربيا في النسب ومعنى الآية ، وأنزلنا القرآن على رجل ليس بعربي اللسان (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) يعني القرآن (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) أي لقالوا لا نفقه قولك وقيل معناه لما آمنوا به أنفة من اتباع من ليس من العرب (كَذلِكَ سَلَكْناهُ) قال ابن عباس : يعني أدخلنا الشرك والتكذيب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي القرآن (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) أي لنؤمن ونصدق وتمنوا الرجعة ولا رجعة لهم (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) قيل لما وعدهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالعذاب قالوا إلى متى توعدنا بالعذاب ومتى هذا العذاب ، فأنزل الله أفبعذابنا يستعجلون (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) أي كفار مكة في الدنيا ولم نهلكهم (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) يعني العذاب (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) أي في تلك السنين الكثيرة والمعنى أنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا ، فإذا أتاهم العذاب لم يغن عنهم طول التمتع شيئا ويكونوا كأنهم لم يكونوا في نعيم قط (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) أي رسل ينذرونهم (ذِكْرى) أي تذكره (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) أي في تعذيبهم حيث قدمنا الحجة عليهم (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) يعني أن المشركين كانوا يقولون : إن الشياطين يلقون القرآن على قلب محمد صلىاللهعليهوسلم ذلك (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) أن ينزلوا بالقرآن (وَما يَسْتَطِيعُونَ) أي ذلك ، ثم إنه تعالى ذكر سبب ذلك فقال (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) أي محجوبون بالرمي بالشهب فلا يصلون إلى استراق السمع (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد به غيره لأنه معصوم من ذلك.
قال ابن عباس : يحذر به غيره يقول أنت أكرم الخلق علي ، ولو اتخذت إلها غيري لعذبتك. قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) روى محمد بن إسحاق بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : «لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليها حتى جاءني جبريل فقال : يا محمد أن لا تفعل ما تؤمر يعذبك ربك فاصنع لنا طعاما واجعل لنا عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له وكانوا يومئذ نحو أربعين رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الذي صنعت فجئت به ، فتناول