اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧))
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) أي نحشر من كل قرن جماعة (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعون ثم يساقوا إلى النار (حَتَّى إِذا جاؤُ) يعني يوم القيامة (قالَ) الله تعالى لهم (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) أي ولم تعرفوها حق معرفتها (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي حين لم تتفكروا فيها وقيل : معنى الآية أكذبتم بآياتي غير عالمين بها ولم تتفكروا في صحتها بل كنتم بها جاهلين (وَوَقَعَ الْقَوْلُ) أي وجب العذاب (عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا) أي بما أشركوا (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) أي بحجة وقيل إن أفواههم مختومة (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا) أي أنا خلقنا (اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي مضيئا يبصر فيه. وفي الآية دليل على البعث بعد الموت لأن القادر على قلب الضياء ظلمة ، والظلمة ضياء قادر على الإعادة بعد الموت (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي يصدقون فيعتبرون. قوله تعالى (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) هو قرن ينفخ فيه إسرافيل قال الحسن : الصور هو القرن ومعنى كلامه إن الأرواح تجتمع في القرن ثم ينفخ فيه فتذهب في الأجساد فتحيا بها الأجساد (فَفَزِعَ) أي فصعق (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي ماتوا. والمعنى أنه يلقى عليهم الفزع إلى أن يموتوا. وقيل ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات ، نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) روى أبو هريرة أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم سئل عن قوله تعالى «إلا من شاء الله» قال هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش وقال ابن عباس : هم الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم لا يصل إليهم الفزع. وقيل : يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل فلا يبقى بعد النفخة إلا هؤلاء الأربعة ويروى أن الله تعالى يقول لملك الموت خذ نفس إسرافيل فيأخذ نفسه ثم يقول : من بقي يا ملك الموت فيقول : سبحانك ربي تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ، وجهك الباقي الدائم بقي جبريل وميكائيل ، وملك الموت فيقول : خذ نفس ميكائيل. فيأخذ نفس ميكائيل فيقع ، كالطود العظيم فيقول من بقي من خلقي فيقول : سبحانك ربي تباركت وتعاليت بقي جبريل ، وملك الموت فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول يا جبريل من بقي فيقول : تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام بقي وجهك الدائم الباقي وجبريل ، الميت الفاني فيقول الله : يا جبريل لا بد من موتك فيقع ساجدا يخفق بجناحيه. فيروى أن فضل خلقه على ميكائيل كفضل الطود العظيم على ظرب من الظراب. ويروى أنه يبقى مع هؤلاء الأربعة حملة العرش ثم روح ملك الموت ، فإذا لم يبق أحد إلا الله تبارك وتعالى طوى السماء كطي السجل للكتاب ثم يقول الله «أنا الجبار لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول الله تعالى : لله الواحد القهار (ق) عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى ، فأكون أول من رفع رأسه فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أكان ممن استثنى الله عزوجل أم رفع رأسه قبلي ، ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب» وقيل الذين استثنى الله هم رضوان والحور ومالك والزبانية. وقوله تعالى (وَكُلٌ) أي وكل الذين أحيوا بعد الموت (أَتَوْهُ) أي جاءوه (داخِرِينَ) أي صاغرين.
(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ