الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤))
(فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) وذلك أن موسى أخذته الغيرة والرقة للإسرائيلي فمد يده ليبطش بالقبطي فظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به لما رأى من غضب موسى وسمع قوله إنك لغوي مبين (قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) معناه أنه لم يكن علم أحد من قوم فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي حتى أفشى عليه الإسرائيلي ذلك فسمعه القبطي فأتى فرعون فأخبره بذلك (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) أي بالقتل ظلما وقيل الجبار هو الذي يقتل ويضرب ولا ينظر في العواقب وقيل هو الذي يتعاظم ولا يتواضع لأمر الله تعالى (وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) ولما فشا أن موسى قتل القبطي أمر فرعون بقتله فخرجوا في طلبه وسمع بذلك رجل من شيعة موسى يقال إنه مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وقيل شمعون وقيل سمعان وهو قوله تعالى (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) أي يسرع في مشيه وأخذ طريقا قريبا حتى سبق إلى موسى وأخبره وأنذره بما سمع (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ) يعني يتشاورون فيك (لِيَقْتُلُوكَ) وقيل يأمر بعضهم بعضا بقتلك (فَاخْرُجْ) يعني من المدينة (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) يعني في الأمر بالخروج (فَخَرَجَ مِنْها) يعني موسى (خائِفاً) على نفسه من آل فرعون (يَتَرَقَّبُ) يعني ينتظر الطلب هل يلحقه فيأخذه ثم لجأ إلى الله تعالى لعلمه أنه لا ملجأ إلا إليه (قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني الكافرين.
قوله تعالى (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) يعني قصد نحوها ماضيا قيل إنه وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة لأن أهل مدين من ولد إبراهيم وموسى من ولد إبراهيم ومدين هو مدين بن إبراهيم سميت البلد باسمه وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام ، قيل خرج موسى خائفا بلا ظهر ولا زاد ولا أحد ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر ونبات الأرض حتى رأى خضرته في بطنه وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه قال ابن عباس وهو أول ابتلاء من الله لموسى (قالَ) يعني موسى (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) يعني قصد الطريق إلى مدين وذلك أنه لم يكن يعرف الطريق إليها قيل لما دعا موسى جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به إلى مدين. قوله عزوجل (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) هو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم (وَجَدَ عَلَيْهِ) يعني على الماء (أُمَّةً) يعني جماعة (مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) يعني مواشيهم (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) يعني سوى الجماعة وقيل بعيدا من الجماعة (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) أي تحبسان وتمنعان أغنامهما عن أن تند وتذهب والقول الأول أولى لما بعده وهو قوله (قالَ) يعني موسى للمرأتين (ما خَطْبُكُما) أي ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس (قالَتا لا نَسْقِي) يعني أغنامنا (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) أي حتى يرجع الرعاء من الماء والمعنى أنا امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا نحن مواشينا من فضل ما بقي منهم في الحوض (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) أي لا يقدر أن يسقي مواشيه فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم ، قيل أبوهما هو شعيب عليه الصلاة والسلام. وقيل هو بيرون ابن أخي شعيب وكان شعيب قد مات بعد ما كف بصره وقيل هو رجل ممن آمن بشعيب فلما سمع موسى كلامهما رق لهما ورحمهما فاقتلع صخرة من على رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس. وقيل زاحم القوم ونحاهم كلهم عن البئر وسقى لهما الغنم وقيل لما فرغ الرعاء من السقي غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشرة نفر فجاء موسى فرفع الحجر ونزع دلوا واحدا فيه بالبركة وسقى الغنم فرويت فذلك قوله تعالى (فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) يعني