الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥))
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) يعني الأصنام يرجون نصرها ونفعها (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) لنفسها تأوي إليه وإن بيتها في غاية الضعف والوهن لا يدفع عنها حرا ولا بردا فكذلك الأوثان لا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا. وقيل معنى هذا المثل أن المشرك الذي يعبد الأصنام بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل العنكبوت تتخذ بيتا من نسجها بالإضافة إلى رجل بنى بيتا بآجر وجص أو نحته من صخر فكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت فكذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينا دينا عبادة الأوثان لأنها لا تضر ولا تنفع (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) أشار إلى ضعفه فإن الريح إذا هبت عليه أو لمسه لامس فلا يبقى له عين ولا أثر فقد صح أن أوهن البيوت لبيت العنكبوت وقد تبين أن دينهم أوهن الأديان (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي أن هذا مثلهم وأن أمر دينهم بلغ هذه الغاية من الوهن (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) هذا توكيد للمثل وزيادة عليه يعني إن الذي يدعون من دونه ليس بشيء (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) معناه كيف يجوز للعاقل أن يترك عبادة الله العزيز الحكيم القادر على كل شيء ويشتغل بعبادة من ليس بشيء أصلا (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) أي الأشباه يعني أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار من هذه الأمة بأحوال كفار الأمم السابقة (نَضْرِبُها) أي نبينها (لِلنَّاسِ) أي لكفار مكة (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) يعني ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله عزوجل. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلىاللهعليهوسلم تلا هذه الآية. (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) قال : «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه» (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي للحق وإظهار الحق (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي دلالة (لِلْمُؤْمِنِينَ) على قدرته وتوحيده.
وقوله تعالى (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) يعني القرآن (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) فإن قلت : لم أمر بهذين الشيئين تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة فقط؟ قلت لأن العبادة المختصة بالعبد ثلاثة : قلبية وهي الاعتقاد الحق ولسانية وهي الذكر الحسن وبدنية وهي العمل الصالح ، لكن الاعتقاد لا يتكرر فإن اعتقد شيئا لا يمكنه أن يعتقده مرة أخرى بل ذلك يدوم مستمرا فبقي الذكر والعبادة البدنية وهما ممكنا التكرار فلذلك أمر بهما (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) أي ما قبح من الأعمال (وَالْمُنْكَرِ) أي ما لا يعرف في الشرع. قال ابن مسعود وابن عباس في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله ، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعدا. وقال الحسن وقتادة : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه وقيل من داوم على الصلاة جره ذلك إلى ترك المعاصي والسيئات كما روي عن أنس قال : «كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم لم يدع من الفواحش شيئا إلا ركبه فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال إن صلاته ستنهاه يوما فلم يلبث أن تاب وحسنت حاله» وقيل : معنى الآية أنه ما دام في صلاته فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر ومنه قوله : «إن في الصلاة لشغلا» وقيل أراد بالصلاة القرآن وفيه ضعف لتقدم ذكر القرآن وعلى هذا يكون معناه أن القرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر كما روي عن جابر قال : قال رجل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن رجلا يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق قال ستنهاه قراءته». وفي رواية «أنه قيل يا رسول الله إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه» وعلى كل حال فإن المراعي للصلاة لا بد وأن يكون أبعد عن الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) أي أنه أفضل الطاعات. عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله». أخرجه الترمذي وله