أَمْراً) يعني نكاح زيد لزينب (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) أي الاختيار على ما قضى ، والمعنى أن يريد غير ما أراد الله أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) أي أخطأ خطأ ظاهرا فلما سمعت بذلك زينب وأخوها رضيا وسلما وجعلت أمرها بيد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنكحها زيدا ودخل بها وساق رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهما عشرة دنانير وستين درهما وخمارا ، ودرعا وملحفة وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر. قوله عزوجل (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) الآية نزلت في زينب ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما زوجها من زيد مكثت عنده حينا ، ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتى زيدا ذات يوم لحاجة فأبصر زينب في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ، ذات خلق من أتم نساء قريش وقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال «سبحان الله مقلب القلوب» وانصرف فلما جاء زيد ذكرت له ذلك ففطن زيد وألقى في نفسه كراهيتها في الوقت وأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إني أريد أن أفارق صاحبتي فقال له «ما لك أرابك منها شيء» قال : لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها تتعظم علي بشرفها وتؤذيني بلسانها فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «أمسك عليك زوجك واتق الله في أمرها» ثم إن زيدا طلقها فذلك قوله عزوجل (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) أي بالإسلام (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أي بالإعتاق وهو زيد بن حارثة مولاه (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) يعني زينب بنت جحش (وَاتَّقِ اللهَ) أي فيها ولا تفارقها (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) أي تسر وتضمر في نفسك (مَا اللهُ مُبْدِيهِ) أي مظهره قيل كان في قلبه لو فارقها تزوجها قال ابن عباس : حبها وقيل ود أنه طلقها (وَتَخْشَى النَّاسَ) قال ابن عباس تستحييهم وقيل تخاف لائمتهم أن يقولوا أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) قال عمر وابن مسعود وعائشة : ما نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم آية هي أشد من هذه الآية ، وعن عائشة قالت : لو كتم رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب.
فصل
فإن قلت : ما ذكروه في تفسير هذه الآية ، وسبب نزولها من وقوع محبتها في قلب النبي صلىاللهعليهوسلم عند ما رآها وإرادته طلاق زيد لها فيه أعظم الحرج ، وما لا يليق بمنصبه صلىاللهعليهوسلم من مد عينيه لما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا. قلت : هذا إقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلىاللهعليهوسلم وبفضله وكيف يقال رآها فأعجبته وهي بنت عمته ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلىاللهعليهوسلم وهو زوجها لزيد ، فلا يشك في تنزيه النبي صلىاللهعليهوسلم عن أن يأمر زيدا بإمساكها ، وهو يحب تطليقه إياها ذكر عن جماعة من المفسرين. وأصح ما في هذا الباب ما روي عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني زين العابدين بن علي بن الحسين قال ما يقول الحسن في قوله تعالى (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) قلت : يقول لما جاء زيد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله إني أريد أن أطلق زينب أعجبه ذلك ، وقال أمسك عليك زوجك واتق الله فقال علي بن الحسين ليس كذلك فإن الله عزوجل ، قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد قال : إني أريد أن أطلقها قال له : أمسك عليك زوجك فعاتبه الله تعالى وقال لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال تعالى «زوجناكها» فلو كان الذي أضمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه ، ولا يظهره فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجته وإنما أخفى ذلك استحياء أن يخبر زيدا أن التي تحتك وفي نكاحك ستكون زوجتي وهذا قول حسن مرضي ، وكم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من اطلاع الناس