كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤))
(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) أي فيما أحل الله له من النكاح ، وغيره (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) معناه سن الله سنة في الأنبياء ، وهو أن لا حرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح ، وغيره فإنه كان لهم الحرائر والسراري فقد كان لداود عليهالسلام مائة امرأة ، ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية فكذلك سن لمحمد صلىاللهعليهوسلم في التوسعة عليه كما سن لهم ووسع عليهم (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) يعني قضاء مقضيا أن لا حرج على أحد فيما أحل له ثم أثنى الله على الأنبياء بقوله (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) يعني فرائض الله وسننه وأوامره ونواهيه إلى من أرسلوا إليهم (وَيَخْشَوْنَهُ) يعني يخافونه (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) يعني لا يخافون قالت : الناس ولائمتهم فيما أحل لهم وفرض عليهم (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي حافظا لأعمال خلقه ومحاسبهم. قوله عزوجل (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما تزوج زينب قال : الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه فأنزل الله (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) يعني زيد بن حارثة والمعنى أنه لم يكن أبا رجل منكم على الحقيقة ، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح. فإن قلت : قد كان له أبناء القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وقال للحسن : إن ابني هذا سيد. قلت : قد أخرجوا من حكم النفي بقوله من رجالكم وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال وقيل : أراد بالرجال الذي لم يلدهم (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) أي إن كل رسول هو أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) ختم الله به النبوة فلا نبوة بعده أي ولا معه قال ابن عباس : يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنا ويكون بعده نبيا وعنه قال : إن الله لما حكم أن لا نبي بعده ، لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) أي دخل في علمه أنه لا نبي بعده. فإن قلت : قد صح أن عيسى عليهالسلام ينزل في آخر الزمان بعده وهو نبي قلت إن عيسى عليهالسلام ممن نبيء قبله وحين ينزل في آخر الزمان ينزل عاملا بشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم ومصليا إلى قبلته كأنه بعض أمته (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له ، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين» وعن جابر نحوه وفيه جئت فختمت الأنبياء (ق) عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله الكفر بي وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي» وقد سماه الله رؤوفا رحيما (م) عن أبي موسى قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يسمي ، لنا نفسه أسماء فقال «أنا محمد وأنا أحمد وأنا المقفي وأنا الماحي ونبي التوبة ونبي الرحمة» المقفي هو المولى الذاهب ، يعني آخر الأنبياء المتبع لهم فإذا قفي فلا نبي بعده.
قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) قال ابن عباس : لم يفرض الله عزوجل على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر ، فإنه لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، وأمرهم به في الأحوال كلها فقال تعالى (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) وقال تعالى (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) يعني بالليل والنهار في البر والبحر وفي الصحة والسقم وفي السر والعلانية ، وقيل الذكر الكثير أن لا ينساه أبدا (وَسَبِّحُوهُ) معناه إذا ذكرتموه ينبغي لكم أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) فيه إشارة إلى المداومة لأن ذكر الطرفين يفهم منه