حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠))
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) قيل الخطاب لأهل مكة ونعمة الله عليهم إسكانهم الحرم ومنع الغارات عنهم (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) أي لا خالق إلا الله وهو استفهام تقرير وتوبيخ (يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) أي المطر (وَالْأَرْضِ) أي النبات (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد الله وإنكار البعث وأنتم مقرون بأن الله خالقكم ورازقكم (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) يعزي نبيه صلىاللهعليهوسلم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي فيجزي المكذب من الكفار بتكذيبه. قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي وعد القيامة (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي لاتخد عنكم بلذاتها وما فيها عن عمل الآخرة وطلب ما عند الله (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي لا يقل لكم اعملوا ما شئتم فان الله يغفر كل ذنب وخطيئة ثم بين الغرور من هو فقال تعالى (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي عادوه بطاعة الله ولا تطيعوه فيما يأمركم به من الكفر والمعاصي (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) أي أشياعه وأولياءه (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) ثم بين حال موافقيه ومخالفته فقال تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).
قوله عزوجل (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) قال ابن عباس نزلت في أبي جهل ومشركي مكة وقيل نزلت في أصحاب الأهواء والبدع ومنهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وليس أصحاب الكبائر من الذنوب منهم لأنهم لا يستحلونها ويعتقدون تحريمها مع ارتكابهم إياها ومعنى زين له شبه له وموه عليه قبيح عمله (فَرَآهُ حَسَناً) وفي الآية حذف مجازه أفمن زين له سوء عمله فرأي الباطل حقا كمن هداه الله فرأى الحق حقا والباطل باطلا (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وقيل مجاز الآية أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء والحسرة شدة الحزن على ما فات والمعنى لا تغتم بكفرهم وهلاكهم إن لم يؤمنوا (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) فيه وعيد بالعقاب على سوء صنيعهم (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) أي تزعجه من مكانه وقيل تجمعه وتجيء به (فَسُقْناهُ) أي فنسوقه (إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ) أي مثل إحياء الموات نشور الأموات روى ابن الجوزي في تفسيره عن أبي رزين العقيلي قال : قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه فقال «هل مررت بواد أهلك محلا ثم مررت به يهتز خضرا قلت نعم قال كذلك يحيي الله الموتى وتلك آيته في خلقه» قوله تعالى (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) قيل معناه من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعا وقيل معناه من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله وهو دعاء إلى طاعة من له العزة أي فليطلب العزة من عند الله بطاعته ، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزز ، فبين الله أن لا عزة إلا لله ولرسوله ولأوليائه المؤمنين (إِلَيْهِ) يعني إلى الله (يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) قيل هو قول لا إله إلا الله وقيل هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر روى البغوي باسناده عن ابن مسعود قال «إذا حدثتكم حديثا أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عزوجل ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله ، إلا أخذهن ملك تحت جناحه ثم يصعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بها وجه رب العالمين ، ومصداقه من كتاب الله قوله : إليه يصعد الكلم الطيب» هذا حديث موقوف على ابن مسعود وفي إسناده الحجاج بن نصير ضعيف ، وقيل الكلم الطيب ذكر الله تعالى وقيل معنى إليه يصعد أي يقبل الله الكلم