كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض (وَأَنْهاراً) ، يعني وجعل في الأرض أنهارا جارية لمنافع الخلق (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) يعني صنفين اثنين أحمر وأصفر وحلوا وحامضا (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) ، يعني يلبس النهار ظلمة الليل ويلبس الليل ضوء النهار (إِنَّ فِي ذلِكَ) يعني الذي تقدم ذكره من عجائب صنعته وغرائب قدرته الدالة على وحدانيته (لَآياتٍ) أي دلالات (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) يعني فيستدلون بالصنعة على الصانع ، وبالسبب على المسبب ، والفكر هو تصرف القلب في طلب الأشياء ، وقال صاحب المفردات : الفكر قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم ، والتفكر جريان تلك القوة بحسب نظر العقل ، وذلك للإنسان دون الحيوان ، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب ولهذا روي «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله» إذ كان الله منزلها أن يوصف بصورة. وقال بعض الأدباء : الفكر مقلوب عن الفرك لأنه يستعمل في طلب المعاني ، وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها. قوله عزوجل (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) يعني متقاربات بعضها من بعض ، وهي مختلفة في الطبائع فهذه طيبة تنبت وهذه سبخة لا تنبت ، وهذه قليلة الريع وهذه كثيرة الريع (وَجَنَّاتٌ) يعني بساتين والجنة كل بستان ذي شجر من نخيل وأعناب وغير ذلك ، سمي جنة لأنه يستر بأشجاره الأرض وإليه الإشارة بقوله (مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) جمع صنو وهي النخلات يجتمعن من أصل واحد ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم في عمه العباس «عم الرجل صنو أبيه» يعني أنهما من أصل واحد (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) هي النخلة المنفردة بأصلها فالصنوان المجتمع ، وغير الصنوان المتفرق (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) يعني أشجار الجنات وزروعها ، والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام ، وقيل : في حده جوهر سيال به قوام الأرواح ؛ (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) يعني في الطعم ما بين الحلو والحامض والعفص وغير ذلك من الطعام. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم «في قوله تعالى : (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) قال : الدقل والنرسيان والحلو والحامض» أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسن غريب. قال مجاهد : هذا كمثل بني آدم صالحهم وخبيثهم وأبوهم واحد ، وقال الحسن : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن فسطحها فصارت قطعا متجاورات ، وأنزل على وجهها ماء السماء فتخرج هذه زهرتها وثمرتها وشجرها ، وتخرج هذه نباتها وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها وكل يسقى بماء واحد فلو كان الماء قليلا. قيل : إنما هذا من قبل الماء كذلك الناس خلقوا من آدم فينزل عليهم من السماء تذكرة فترق قلوب قوم فتخشع وتخضع وتقسو قلوب قوم فتلهو ، ولا تسمع. وقال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) وقوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ) يعني الذي ذكر (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يعني فيتدبرون ويتفكرون في الآيات الدالة على وحدانيته. قوله تعالى (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) العجب تبعيد النفس رؤية المستبعد في العادة ، وقيل : العجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب ولهذا قال بعض الحكماء : العجب ما لا يعرف سببه ولهذا قيل : العجب في حق الله محال لأنه تعالى علّام الغيوب لا تخفى عليه خافية ، والخطاب في الآية للنبي صلىاللهعليهوسلم ومعناه وإنك يا محمد إن تعجب من تكذيبهم إياك بعد أن كنت عندهم تعرف بالصادق الأمين فعجب أمرهم ، وقيل : معناه وإن تعجب من اتخاذ المشركين ما لا يضرهم ولا ينفعهم آلهة يعبدونها مع إقرارهم بأن الله تعالى خالق السموات والأرض ، وهو يضر وينفع وقد رأوا من قدرة الله وما ضرب لهم به الأمثال ما رأوا فعجب قولهم. وقيل وإنك إن تعجب من إنكارهم النشأة الآخرة والبعث بعد الموت مع إقرارهم بأن ابتداء الخلق من الله فعجب قولهم ، وذلك أن المشركين كانوا ينكرون البعث بعد الموت مع إقرارهم بأن ابتداء الخلق من الله ، وقد تقرر في النفوس أن الإعادة أهون من الابتداء فهذا موضع التعجب وهو قولهم (أَإِذا كُنَّا تُراباً) يعني بعد الموت (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) يعني نعاد خلقا جديدا بعد الموت كما كنا قبله ثم إن الله تعالى قال في حقهم (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) وفيه دليل على