وتعالى ، لأن قوله تعالى : وإنا لنحن يفيد الحصر يعني لا يقدر على ذلك سوانا (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) وذلك بأن نميت جميع الخلق ، فلا يبقى أحد سوانا فيزول ملك كل مالك ويبقى جميع ملك المالكين لنا والوارث هو الباقي بعد ذهاب غيره والله سبحانه وتعالى هو الباقي بعد ذهاب غيره والله سبحانه وتعالى هو الباقي بعد فناء خلقه الذين أمتعهم بما آتاهم في الحياة الدنيا لأن وجود الخلق. وما آتاهم كان ابتداؤه منه تعالى فإذا فني جميع الخلائق رجع الذي كانوا يملكونه في الدنيا على المجاز إلى مالكه على الحقيقة ، وهو الله تعالى. وقيل مصير الخلق إليه.
قوله عزوجل (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أحسن الناس فكان بعض الناس يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها. ويتأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله عزوجل ولقد علمنا المستقدمين منكم ، ولقد علمنا المستأخرين أخرجه النسائي وأخرجه الترمذي وقال فيه وقد روي عن ابن الجوزي نحوه. ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح قال البغوي وذلك أن النساء كن يخرجن إلى الجماعة فيقفن خلف الرجال فربما كان من الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى آخر صف الرجال ، ومن النساء من في قلبها ريبة فتتقدم إلى أول صف النساء لتقرب من الرجال فنزلت هذه الآية فعند ذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها. وشرها أولها» أخرجه مسلم عن أبي هريرة. وقال ابن عباس : أراد بالمستقدمين من خلق الله وبالمستأخرين من لم يخلق الله تعالى بعد. وقال مجاهد : المستقدمون القرون الأولى والمستأخرون أمة محمد صلىاللهعليهوسلم. وقال الحسن : المستقدمون يعني في الطاعة والخير والمستأخرون يعني فيهما. وقال الأوزاعي : أراد بالمستقدمين المصلين في أول الوقت وبالمستأخرين المؤخرين لها إلى آخره. وقال مقاتل : أراد بالمستقدمين وبالمستأخرين في صف القتال. وقال ابن عيينة : أراد من يسلم أولا ومن يسلم آخرا.
وقال ابن عباس في رواية أخرى عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم حرض على الصف الأول فازدحموا عليه ، وقال قوم كانت بيوتهم قاصة عن المسجد : لنبيعن دورنا ونشتري دورا قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المقدم. فنزلت هذه الآية ، ومعناها إنما تجزون على النيات فاطمأنوا وسكنوا فيكون معنى الآية على القول الأول المستقدم للتقوى والمستأخر للنظر ، وعلى القول الأخير المستقدم لطلب الفضيلة والمستأخر للعذر ، ومعنى الآية أن علمه سبحانه وتعالى محيط بجميع خلقه مقدمهم ومتأخرهم طائعهم وعاصيهم ، لا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) يعني على ما علم منهم ، وقيل : إن الله سبحانه وتعالى يميت الكل ثم يحشرهم الأولين والآخرين على ما ماتوا عليه (م) عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يبعث كل عبد على ما مات عليه» قوله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) يعني آدم عليهالسلام في قول جميع المفسرين سمي إنسانا لظهوره وإدراك البصر إياه ، وقيل من النسيان لأنه عهد إليه فنسي من (صَلْصالٍ) يعني من اليابس ، إذا نقرته سمعت له صلصلة يعني صوتا ، وقال ابن عباس : هو الطين الحر الطيب الذي إذا نضب عنه الماء تشقق فإذا حرك تقعقع. وقال مجاهد : هو الطين المنتن. واختاره الكسائي وقال : هو من صل اللحم إذا أنتن (مِنْ حَمَإٍ) يعني من الطين الأسود (مَسْنُونٍ) أي متغير قال مجاهد وقتادة : هو المنتن المتغير. وقال أبو عبيدة : هو المصبوب.
تقول العرب : سننت الماء إذا أصببته قال ابن عباس : هو التراب المبتل المنتن جعل صلصالا كالفخار ، والجمع بين هذه الأقاويل على ما ذكره بعضهم أن الله سبحانه وتعالى لما أراد خلق آدم عليهالسلام ، قبض قبضة من تراب الأرض فبلها بالماء حتى اسودت وأنتن ريحها ، وتغيرت وإليه الإشارة بقوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ثم إن ذلك التراب بله بالماء وخمره حتى اسودت ، وأنتن ريحه وتغير وإليه الإشارة بقوله : من حمأ مسنون ثم ذلك الطين الأسود المتغير صوره صورة إنسان أجوف ، فلما جف ويبس كانت تدخل فيه الريح فتسمع له صلصلة يعني صوتا ، وإليه الإشارة بقوله من صلصال كالفخار وهو الطين اليابس ، إذا تفخّر في الشمس