عسل. قالت : جرست نحلة العرفط. العرفط شجر الطلح ، وله صمغ يقال له المغافير كريه الرائحة فمعنى جرست نحلة العرفط أكلت ورعت من العرفط الذي له الرائحة الكريهة ، فثبت بهذا الدليل صحة قول أهل الظاهر من المفسرين ، وأنه يوجد في طعم العسل ، ولونه وريحه طعم ما يأكله النحل ولونه وريحه لا ما قاله الأطباء من أنه طل لأنه لو كان طلّا لكان على لون واحد وطبيعة واحدة. وقوله : إنه طبيعة العسل تقرب من طبيعة الترنجبين فيه نظر ، لأن مزاج الترنجبين معتدل إلى الحرارة ، وهو ألطف من السكر ومزاج العسل حار يابس في الدرجة الثانية فبينهما فرق كبير. وقوله : كل تجويف في داخل البدن يسمى بطنا فيه نظر ، لأن لفظ البطن إذا أطلق لم يرد إلا العضو المعروف مثل بطن الإنسان ، وغيره والله أعلم. وقوله تعالى (فِيهِ) يعني في الشراب الذي يخرج من بطون النحل (شِفاءٌ لِلنَّاسِ) وهذا قول ابن عباس وابن مسعود إذ الضمير في قوله فيه شفاء للناس ، يرجع إلى العسل ، وقد اختلفوا في هذا الشفاء هل هو على العموم لكل مرض ، أو على الخصوص لمرض دون مرض ، على قولين : أحدهما أن العسل فيه شفاء من كل داء وكل مرض. قال ابن مسعود : «العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما في الصدور» وفي رواية أخرى عنه «عليك بالشفاءين القرآن والعسل» وروى نافع أن ابن عمر ما كانت تخرج به قرحة ، ولا شيء إلا لطخ الموضع بالعسل ويقرأ «يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس» (ق) عن أبي سعيد الخدري قال : «جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم اسقه عسلا فسقاه ثم جاء فقال : إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا فقال له : ثلاث مرات ثم جاء الرابعة. فقال : اسقه عسلا ، فقال : لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فبرأ» وقد اعترض بعض الملحدين ، ومن في قلبه مرض على هذا الحديث. فقال : إن الأطباء مجمعون على أن العسل مسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال فنقول في الرد على هذا المعترض الملحد الجاهل بعلم الطب أن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة منها التخم ، والهيضات ، وقد أجمع الأطباء في مثل هذا على أن علاجه بأن تترك الطبيعة وفعلها ، فإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية فأما حبسها فمضر عندهم ، واستعجال مرض فيحتمل أن يكون إسهال الشخص المذكور في الحديث أصابه من امتلاء أو هيضة ، فدواؤه بترك إسهاله على ما هو عليه أو تقويته فأمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم العسل فزاده إسهالا ، فزاده عسلا إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال ويكون الخلط الذي كان به يوافقه شرب العسل ، فثبت بما ذكرناه أن أمره صلىاللهعليهوسلم لهذا الرجل بشرب العسل جار على صناعة الطب ، وأن المعترض عليه جاهل لها ولسنا نقصد الاستظهار لتصديق الحديث بقول الأطباء : بل لو كذبوه لكذبناهم وكفرناهم بذلك وإنما ذكرنا هذا الجواب الجاري على صناعة الطب ، دفعا لهذا المعترض بأنه لا يحسن صناعة الطب التي اعترض بها والله أعلم وقوله صلىاللهعليهوسلم : «صدق الله وكذب بطن أخيك» يحتمل أنه صلىاللهعليهوسلم ، علم بالوحي الإلهي أن العسل ، الذي أمره بشربه سيظهر نفعه بعد ذلك فلما لم يظهر نفعه في الحال عندهم قال : صدق الله يعني فيما وعد به من أن فيه شفاء وكذب بطن أخيك يعني باستعجالك للشفاء في أول مرة والله أعلم بمراده ، وأسرار رسوله صلىاللهعليهوسلم فإن قالوا : كيف يكون شفاء للناس ، وهو يضر بأصحاب الصفراء ويهيج الحرارة ويضر بالشباب المحرورين ويعطش ، قلنا : في الجواب عن هذا الاعتراض أيضا : إن قوله فيه شفاء للناس مع أنه يضر بأصحاب الصفراء ، ويهيج الحرارة أنه خرج مخرج الأغلب ، وأنه في الأغلب فيه شفاء ، ولم يقل : إنه شفاء لكل الناس لكل داء ولكنه في الجملة دواء ، وإن نفعه أكثر من مضرته ، وقل معجون من المعاجين إلا وتمامه به. والأشربة المتخذة من العسل نافعة لأصحاب البلغم والشيوخ المبرودين ، ومنافعه كثيرة جدا. والقول الثاني : أنه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه وهذا قول السدي وقال مجاهد : في قوله فيه شفاء للناس يعني القرآن لأنه شفاء من أمراض الشرك ، والجهالة والضلالة وهو هدى ورحمة للناس ، والقول الأول أصح لأن الضمير يجب أن يعود إلى أقرب المذكورات ، وأقربها قوله تعالى يخرج