ضرب الأمثال ، لقلة علمهم ضرب هو سبحانه وتعالى لنفسه مثلا ، فقال تعالى : مثلكم في إشراككم بالله الأوثان ، كمثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر كريم مالك قادر ، قد رزقه الله مالا فهو يتصرف فيه ، وينفق منه كيف يشاء ، فصريح العقل يشهد بأنه لا تجوز التسوية بينهما في التعظيم والإجلال ، فلما لم تجز التسوية بينهما مع استوائهما في الخلقة والصورة البشرية ، فكيف يجوز للعقل أن يسوي بين الله عزوجل الخالق القادر على الرزق والإفضال وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شيء البتة؟ وقيل : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر والمراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر ، لأنه لما كان محروما من عبادة الله وطاعته صار كالعبد الذليل الفقير العاجز الذي لا يقدر على شيء ، وقيل : إن الكافر لما رزقه الله مالا فلم يقدم فيه خيرا صار كالعبد الذي لا يملك شيئا ، والمراد بقوله ومن رزقناه منا رزقا حسنا ، المؤمن لأنه لما اشتغل بطاعة الله ، وعبوديته والإنفاق في وجوه البر والخير صار كالحر المالك الذي ينفق سرا وجهرا في طاعة الله ، وابتغاء مرضاته وهو قوله سبحانه وتعالى (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً) فأثابه الله الجنة على ذلك. فإن قلت : لم قال عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ، وكل عبد هو مملوك وهو غير قادر على التصرف؟ قلت : إنما ذكر المملوك ليتميز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعا لأنهما من عباد الله ، وقوله : لا يقدر على شيء احترز به عن المملوك المكاتب والمأذون له في التصرف ، لأنهما يقدران على التصرف واحتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئا (هَلْ يَسْتَوُونَ) ولم يقل هل يستويان يعني هل يستوي الأحرار والعبيد ، والمعنى كما لا يستوي هذا الفقير البخيل ، والغني السخي كذلك لا يستوي الكافر العاصي ، والمؤمن الطائع ، وقال عطاء في قوله : عبدا مملوكا هو أبو جهل بن هشام ومن رزقناه منا رزقا حسنا ، هو أبو بكر الصديق ثم قال تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) حمد الله نفسه لأنه المستحق لجميع المحامد لأنه المنعم المتفضل على عباده ، وهو الخالق الرازق لا هذه الأصنام التي عبدها هؤلاء ، فإنها لا تستحق الحمد لأنها جماد عاجز ، لا يد لها على أحد ولا معروف ، فتحمد عليه إنما الحمد الكامل لله لا لغيره فيجب على جميع العباد ، حمد الله لأنه أهل الحمد والثناء الحسن (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) يعني الكفار (لا يَعْلَمُونَ) يعني أن الحمد لله لا لهذه الأصنام (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ) هو الذي ولد أخرس فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم ، والأبكم الذي لا يفهم ولا يفهم (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) هو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل ، (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أي ثقيل على من يلي أمره ويعوله وقيل أصله من الغلظ وهو نقيض الحدة ، يقال كل السكين إذا غلظت شفرته وكل اللسان إذا غلظ فلم يقدر على النطق ، وكل فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه ، فقوله وهو كل على مولاه أي غليظ ثقيل على مولاه (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ) أي حيثما يرسله ويصرفه في طلب حاجة أو كفاية مهم (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) يعني لا يأت بجنح لأنه أخرس عاجز لا يحسن ولا يفهم (هَلْ يَسْتَوِي) يعني من هذه صفته (هُوَ) يعني صاحب هذه الصفات المذمومة (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) يعني ومن هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات ذو رشد وديانة يأمر الناس بالعدل والخير (وَهُوَ) في نفسه (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني على سيرة صالحة ودين قويم ، فيجب أن يكون الآمر بالعدل ، عالما قادرا مستقيما في نفسه حتى يتمكن من الأمر بالعدل ، وهذا مثل ثان ضربه الله لنفسه ، ولما يفيض على عباده من إنعامه ويشملهم به من آثار رحمته وألطافه وللأصنام التي هي أموات جماد ، لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تنطق ولا تعقل ، وهي كل على عابديها ، لأنها تحتاج إلى كلفة الحمل والنقل والخدمة. وقيل : كلا المثلين للمؤمن والكافر ، والمؤمن : هو الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. والكافر : هو الأبكم الثقيل الذي لا يأمر بخير فعلى هذا القول تكون الآية على العموم في كل مؤمن وكافر. وقيل : هي على الخصوص فالذي يأمر بالعدل هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو على صراط مستقيم ، والذي يأمر بالظلم وهو أبكم أبو جهل. وقيل : الذي يأمر بالعدل عثمان بن عفان ، وكان له مولى يأمره بالإسلام وذلك المولى يأمر عثمان بالإمساك عن الإنفاق في سبيل الله تعالى ، فهو الذي لا يأت بخير.