ودعونا نتأمل دلالة ما يقال ويتردد بين الحين والحين ، لقد ابتلينا ـ مع الأسف ـ في بلادنا العربية والإسلامية بعادات أو بمنطق حب المحاكاة والتقليد لدى بعض الشرائح ، لقد عادى الغرب الدين لأنه وقف عندهم في وجه العلم ، فلما تقدموا وتراجعنا ، نقلوا إلينا العداء بين العلم والدين ، وهو أمر صحيح بالنسبة لثقافتهم وغلط شائن بالنسبة للإسلام وحضارته ، ثم انتحلوا لأنفسهم كثيرا من أعمال المسلمين ، ونسبوها إلى أنفسهم غشا ونكرانا ، بينما لم يكن ذلك من خلق المسلمين حين أخذوا عن حضارات من سبقوهم ، وحفظوا الفضل لأهله ، لا ينتقص ذلك من جهودهم شيئا ، بدليل أنهم سموا الفارابى العظيم المعلم الثانى ، وأطلقوا على أرسطو المعلم الأول.
ولا يزال البعض يردد : لما ذا نتحدث عن إعجاز القرآن ، ونزعم أن فيه من الآيات التى نزلت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ما يفصح عن حقائق علمية لم تكتشف إلا حديثا؟
ولما ذا إذن لم يكتشفها المسلمون حتى اكتشفها غيرهم؟
الذين يقولون ذلك ربما لا يعرفون شيئا كافيا عما اكتشفه علماء المسلمين بالفعل وعن فضل الحضارة الإسلامية وفضل علماء المسلمين في مختلف التخصصات على سائر العلوم العقلية ومنجزاتها حتى اليوم وإلى الغد القريب والبعيد.
وأول ذلك هو المنهج العلمى التجريبى الاستقرائى كما ألمحنا ، والمسلمون أصحابه الحقيقيون ، وهو أساس كل تقدم.
وقد قرر «سى برانتل» أن «روجر بيكون» الذي ينسب إليه البعض المنهج العلمى ـ أخذ كل النتائج المنسوبة إليه في العلوم الطبيعية عن العرب (*).
وأعمال المسلمين وكتبهم في الرياضيات مثلا ، كانت هى المراجع الرئيسية
__________________
* اقرأ إن شئت ترجمة كتاب «الله ليس كذلك» ـ للدكتورة الألمانية زيجريد هونكه ـ نشر دار الشروق.