يكن ذلك فحسب هو موقف الإسلام ، ولكنه تجاوز إلى حثه الدائم على النظر والتفكر والسير والبحث ، بلا قيد على النظر العقلى والبحث دون حدود (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [العنكبوت : ٢٠] ومع ذلك فلا ينبغى أن ننسى حقيقة بالغة الأهمية وهى أن علماء المسلمين قاموا بدورهم ، حينما استجابوا لدعوة القرآن الكريم فكانت عصور حضارة الإسلام الزاهية ، وتوصلوا إلى العديد من حقائق الكون ، وأثروا الحركة العلمية الإنسانية ، وابتكروا المنهج العلمى ـ وهو من أعظم إنجازات علماء الإسلام ـ بما أفاد النهضة العلمية المعاصرة التى توصلت إلى كشف الكثير من حقائق الكون التى أشار إليها القرآن الكريم ، فكانت استجابتهم للقرآن الكريم سببا مباشرا في اكتشاف هذه الحقائق بما قدموه من إنجازات علمية كانت بمثابة المرتكزات التى قامت عليها ـ من بعد ـ النهضة الحديثة في اكتشاف أسرار الكون المبهرة.
كذلك فإنه ليس معنى ذلك أنهم أدوا دورهم وانتهى الأمر ، وإنما عليهم دائما أن يصلوا ما انقطع من جهود السابقين ويبنوا على جهود من لحق بهم.
إن علماء الإسلام لما التزموا بقيمه العقلية ومنطلقاته ومبادئه العلمية حققوا ما لم يحققه أحد قبلهم ، كما أفاد منهم من جاء بعدهم ، وبخاصة الأوروبيون ، الذين استثمروا ما ترجم إلى لغاتهم من ناحية وما صححه وأبدعه علماء المسلمين من ناحية ثانية في نهضتهم الحديثة ، ولو لا علماء المسلمين لكانت بدايتهم من نقطة الصفر ، ولتأخرت مسيرة التطور قرونا ، كما أقر بذلك المنصفون من علمائهم ؛ ذلك أن إنجازات العلوم اليوم لم تهبط من السماء وإنما هى نتاج سعى البشرية وعلمائها سنين إثر سنين ، وقرونا إثر قرون ، وإذا كان لعلماء كل حقبة أن يفخروا بما قدموه أو أضافوه لصروح العلوم والمعارف ، فقد كان لعلماء المسلمين فضل الريادة ، بل كانت هناك علوم إسلامية بحتة هى الأساس فى الإنجازات العلمية المعاصرة لتلك العلوم.