وحينما رأى الفلكيون فى الثلث الأول من القرن العشرين ضوء النجوم ينحاز إلى الطيف الأحمر تساءلوا : هل هذا يعنى أن النجوم تتباعد عنا؟ وإذا كانت تتباعد أين دور الجاذبية؟ ودار جدل طويل خلال النصف الأول من القرن العشرين حتى ثبت للعلماء أن الكون الذى نحيا فيه كون دائم الاتساع ، وذكروا بأن من صفاته الحالية أنه كون مستمر فى الاتساع ، ولذلك تتباعد المجرات عنا وعن بعضها البعض بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء (ثلاثمائة ألف كيلومتر فى الثانية تقريبا).
ولذلك لا يستطيع الإنسان أن يحيط بأطراف هذا الجزء المدرك من الكون أبدا لأنه كلما طور أجهزته ، اتسع الكون فيحتاج إلى تطوير أجهزته مرة ثانية ، والقرآن يصف هذه الحقيقة بدقة بالغة ، وذلك فى الآية الكريمة التى يقول فيها رب العالمين تبارك وتعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات : ٤٧]
وانظر إلى الصياغة المصدرية الراقية باسم الفاعل (لَمُوسِعُونَ) التى تشير إلى اتساع الكون منذ نشأته وإلى استمرارية هذا الاتساع إلى وقتنا الراهن ، وإلى أن يشاء الله تعالى.
هذا الاتساع دفع العلماء إلى القول الصحيح بأننا إذا عدنا بهذا الاتّساع إلى الوراء مع الزمن فلا بد وأن تلتقى مادة الكون المنظور فى جرم واحد.
هذا الجرم لا بد وأن تكون كل من الكثافة والطاقة فيه عالية للغاية (تتوقف عندها كل قوانين الفيزياء المعروفة) تجعله فى حالة حرجة ، ينفجر هذا الجرم بأمر من الله ـ تعالى ـ ويتحول إلى غلالة من الدخان ، يخلق من هذا الدخان الأرض وباقى أجرام السماء.
فالكون يتسع الآن ، وإذا أردنا أن نعرف البداية فلنرجع بهذا الاتساع إلى الوراء مع الزمن إلى نقطة البداية حيث ينتهى بنا الأمر إلى الجرم الأولى وبه