مقدّمة التحقيق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
أمّا بعد ، فإنّ استنباط الأحكام الشرعيّة من أدلّتها التفصيليّة يحتاج إلى إعمال القواعد الخاصّة العقليّة والنقليّة ، ولمّا كان لهذه القواعد دور أساسيّ في الفقه لذا سمّيت بأصول الفقه ، فهو بمنزلة المنطق للفقه. فلا يستنبط حكم شرعي إلّا من خلال إحدى الكبريات الأصوليّة أمّا الأحكام الواضحة فلا تحتاج إلى اجتهاد.
وبما أنّ الحياة في تطوّر مستمرّ والشعوب الإسلاميّة بحاجة إلى مواكبة هذا التطوّر ، فلا بدّ من استنباط أحكام شرعيّة لسدّ متطلّبات الحياة الجديدة ؛ ولهذا اعتنى علماؤنا الأعلام ـ قدّس الله أسرارهم ـ منذ أقدم عصور الفقه الإسلامي بهذا العلم. فتطوّر علم الأصول تطوّرا مرحليّا تابعا لتطوّر الفقه ؛ لتلبية حاجة الناس ، فكان تطوّره بارزا بآراء ونظريّات دقيقة ناتجة عن التفكير العلميّ العميق في القواعد الأصوليّة ، واستمرّ على هذا المنوال إلى أن ظهرت الحركة الأخباريّة التي كانت تهدف إلى هدم الاجتهاد والقضاء على حيويّة فقه الإماميّة ، فواجهها أعلام الفكر الأصولي ، وفي مقدّمتهم الوحيد البهبهاني قدسسره ، فتطوّر علم الأصول ببركة هذه المدرسة الأصوليّة الجديدة التي أخذت على عاتقها نشر المفاهيم الأصوليّة والردّ على الأخباريّين ، وبذلك تمكّنت من إرساء قواعدها على أسس راسخة متطوّرة.