قوله تعالى : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ؛) أي سيروا في الأرض على المهل وأقبلوا وأدبروا في الأرض إلى أن يمضي أربعة. وقيل : هو على الخطاب ؛ أي قل لهم سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين آمنين غير خائفين من قتل ولا أسر ولا نهب.
ويقال : إن قوله : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) بيان أن هذا السّيح المذكور في أوّل هذه السورة إنّما هو بعد أربعة أشهر ، فإنّ عهد الكفّار باق إلى آخر هذه المدّة. قال الحسن : (أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن ينظر في عهود الكفّار ، فيقرّ من كان عهده أربعة أشهر على عهده أن يمضي ، ويحطّ من كان له عهد أكثر من أربعة أشهر ، ويرفع عهد من كان له عهد قبل أربعة أشهر فيجعله أربعة أشهر).
واختلفوا في هذه الأربعة أشهر ، قال بعضهم : من عشرين ذي القعدة إلى عشرين من ربيع الأوّل. وروي في الخبر : أنّ مكّة فتحت في سنة ثمان من الهجرة ، وولّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عتّاب بن أسيد الوقوف بالناس في الموسم ، واجتمع في تلك السّنة في الوقوف المسلمون والمشركون (١).
فلمّا كانت سنة تسع ولّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر وبعث معه عشر آيات من أوّل براءة أو تسع آيات ، وأمره أن يقرأها على أهل مكّة ، وينبذ إلى كلّ ذي عهد عهده
__________________
ـ ج ٤ ص ١٢٢ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه)). وذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٨ ص ٦٢ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(١) سبب اجتماعهم ما أخبر به الحسن قال : ((إنّما سمّي الحجّ الأكبر من أجل أنّه حجّ أبو بكر الحجّة الّتي حجّها ، واجتمع فيها المسلمون والمشركون ، فلذلك سمّي الحجّ الأكبر)). أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٧٧٧).
ووافق أيضا عيد اليهود والنصارى ، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه : ((أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال زمن الفتح : [إنّه عام الحجّ الأكبر]. قال : اجتمع حج المسلمين وحج المشركين في ثلاثة أيام متتابعات ، فاجتمع حج المسلمين والمشركين والنصارى واليهود في ثلاثة أيام متتابعات ، ولم يجتمع منذ خلق الله السموات والأرض كذلك قبل العام ، ولا يجتمع قبل العام حتى تقوم الساعة)). في الدر المنثور : ج ٤ ص ١٢٨ ؛ قال السيوطي : (أخرجه الطبراني). وفي مجمع الزوائد : ج ٧ ص ٢٩ ؛ قال الهيثمي : (رواه الطبراني ورجاله موثوقون ولكن متنه منكر).