قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ؛) أي هو الذي جعل الشمس ضياء للعالمين بالنهار ، والقمر نورا بالليل.
روي في الخبر : أنّ وجوههما إلى العرش وظهورهما إلى الأرض ، يضيء وجوههما لأهل السموات السّبع ، وظهورهما لأهل الأرضين السبع ، كما قال (وجعل القمر فيهنّ نورا وجعل الشّمس سراجا) (١).
قوله تعالى : (وَقَدَّرَهُ) أي قدّر القمر منازل وهي ثمان وعشرون منزلة في كلّ شهر. وقيل معناه : (وقدّره منازل) لا يجاوزوها ولا يقصروها ، وقيل : جعل (قدّر) لهما يعدى إلى مفعولين ، ويجوز أن يكون المعنى وقدّرهما ، إلا أنه حذف التثنية للاختصار والإيجاز ، كما قال تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٢).
قوله تعالى : (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ؛) أي ما خلق الله الشمس والقمر ، إلا لتعلموا الحساب وتعتبروا بهما ، وتستدلّوا بطلوعها وغروبها على صانعهما.
وقوله : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) أي لتعلموا بالشمس حساب السنين وحساب الشّهور والليالي والأيام على ما تقدّم أن القمر يقطع في الشهر ما تقطعه الشمس في السّنة ، ويعني بقوله : (وَالْحِسابَ) حساب الأشهر والأيام والساعات ، وقوله تعالى : (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ) ردّه إلى الفعل والخلق والتدبير ، ولو أراد الأعيان المذكورة لقال : تلك إلا بالحقّ ، ثم يخلقه باطلا ، بل إظهار الصّنعة ، ودلالته على قدرته وحكمته.
__________________
(١) نوح / ١٦.
(٢) التوبة / ٦٢. في معاني القرآن : ج ١ ص ٤٥٨ ؛ قال الفراء : (ولم يقل : وقدّرهما. فإن شئت جعلت تقدير المنازل للقمر خاصة ؛ لأن به تعلم الشهور. وإن شئت جعلت التقدير لهما جميعا ، فاكتفى بذكر أحدهما من صاحبه).