قوله تعالى : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا ؛) أي لقدر ما لبثوا ؛ (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ؛) أي له العلم بكلّ مستور عن الخلق في السّموات والأرض وفي قعر البحار. قوله تعالى : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ؛) أي أذكر بذلك الناس فهو من خفيّ صفاته ، وقيل : معناه : ما أبصر الله بكلّ موجود! وما أبصره بكلّ مسموع.
قوله تعالى : (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ؛) أي ما لأهل السّموات والأرض من دون الله من وليّ ولا ناصر. قوله تعالى : (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) (٢٦) ؛ أي لا يشرك في حكمه أحدا غيره. وقرأ ابن عامر : (ولا تشرك) على المخاطبة ؛ أي لا تشرك أيّها الإنسان على النّهي (١).
قوله تعالى : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ ؛) أي اقرأ عليهم القرآن وعرّفهم أنه الحقّ ؛ (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ؛) ولا خلف لخبره ولا مغيّر له. قوله تعالى : (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (٢٧) ؛ أي ملجأ أو معدلا تهرب إليه ، من قولهم : لحدت إلى كذا ؛ إذا ملت إليه ، ومنه اللّحد ؛ لأنه يمال به إلى ناحية القبر ، ومنه الإلحاد في الدّين الميلان عليه.
قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ؛) نزلت هذه الآية في سلمان الفارسيّ وصهيب بن سنان وعمّار بن ياسر وخبّاب وعامر بن فهيرة وغيرهم من الفقراء ، كانوا عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم وكان مع سلمان شملة قد عرق فيها إذ دخل عيينة بن حصن الفزاريّ ، فقال : يا محمّد إنّ رؤوس مضر وأشرافها ، وإنه والله ما يمنعنا من الدّخول عليك إلّا هذا ـ يعني سلمان وأصحابه ـ ولو أنّا إذا دخلنا عليك أخرجتهم عنا لاتّبعناك ، إنه ليؤذينا ريحه أما يؤذيك ريحه؟ فأنزل الله في سلمان وأصحابه هذه الآية (٢). ومعناها : واحبس نفسك أيّها النبيّ مع الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه وتعظيمه.
__________________
ـ السيوطي : (أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم).
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٣٨٨ ، قال القرطبي : (وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري : (ولا تشرك) بالتاء من فوق وإسكان الكاف على جهة النبي صلىاللهعليهوسلم).
(٢) ذكره الواحدي في أسباب النزول : ص ٢٠١. وفي الدر المنثور : ج ٥ ص ٣٨٣ ؛ قال السيوطي :
(أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي بريدة).